الرئيسية / تبدأ بـ"تحشيشة" وتنتهي بالقتل.. التعليقات السلبية على منصات التواصل تفتك بالعراق

تبدأ بـ"تحشيشة" وتنتهي بالقتل.. التعليقات السلبية على منصات التواصل تفتك بالعراق

"Today News": متابعة 


أصبحت التعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي ظاهرة متنامية تعكس تراجعاً ثقافياً وأخلاقياً، وتهدد في الوقت ذاته النسيج المجتمعي.

ويلجأ بعض المستخدمين عند نشر خبر أو صورة إلى كتابة تعليقات خارجة عن الذوق العام، بهدف السخرية أو الانتقاص أو بدافع ما يُعرف بـ "التحشيش".

هذه الظاهرة تفاقمت بشكل لافت في المجتمعات العربية، ومنها العراق، حيث تحولت مواقع التواصل خلال الفترة الأخيرة إلى مسرح للسخرية والنقد اللاذع، وتبادل العبارات التي تخدش الحياء وتصدم الذوق العام.

ويعتبر مختصون في علم الاجتماع أن هذه الممارسات تمثل مؤشراً خطيراً على تراجع القيم الأخلاقية، بما قد يؤدي إلى خلافات تنتهي أحياناً بجرائم قتل.

وفي هذا السياق، شهدت مدينة الصدر في بغداد قبل أسبوعين حادثة مقتل مدني بإطلاق نار قرب منزله، إثر خلاف نشأ بسبب تعليقات سلبية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفقاً لمصادر أمنية.

مساران لمعالجة الأزمة

"حادثة مدينة الصدر ليست الأولى، فقد تسببت التعليقات السلبية بالعديد من المشكلات الاجتماعية والقانونية، بينها الفصل العشائري، وحالات الطلاق، والقتل، والتهديد، إضافة إلى القذف والتشهير والابتزاز"، وفق ما يقول الخبير القانوني محمد جمعة.

ويشير جمعة، إلى أن "معالجة هذه الظاهرة تتطلب مسارين الأول ترسيخ الثقافة والوعي المجتمعي القائم على الاحترام المتبادل، والثاني سن قوانين صارمة تحد من خطورة التعليقات المسيئة".

لكنه ينبه أيضاً، إلى "غياب تشريعات واضحة لمحاسبة التعليقات التي تدفع أحياناً إلى الجريمة والانحراف، خاصة مع انتشار الحسابات الوهمية"، لافتاً إلى أن "الإجراءات البطيئة المتبعة في مراكز الشرطة تدفع العديد إلى التخلي عن الدعاوى واللجوء للفصل العشائري".

وفي فضاء الإنترنت المفتوح، تتعدد أهداف استخدام الحسابات الوهمية بين التحريض على العنف ونشر الفساد والسخرية من القيم المجتمعية، مروراً بالتحرش والابتزاز، وهو ما يعكس أزمات اجتماعية عميقة على مستوى الوعي والسلوك.

انتشار خطاب الكراهية

من جانبه، يوضح علاء نجاح، أستاذ الإعلام في الجامعة العراقية، أن "التعليقات السلبية تمثل جزءاً من مزاج ووعي المستخدمين، وهي غالباً أصوات عالية واستفزازية تتسم بالجدل والطائفية، وقد تؤثر أحياناً على الرأي العام وتتحول بديلاً عن النقاش الواقعي".

ويتابع نجاح، قائلاً إن "هذا الأمر دائماً ما يسهم في خلق خطاب كراهية أو نشر شائعات قد تتبناها بعض المؤسسات الإعلامية".

ويرى أن "إخفاء الهوية عبر الحسابات الوهمية يمنح أصحابها شعوراً زائفاً بالتحرر من الضوابط، ما يدفعهم للكتابة بلا خوف أو قيود”.

وفي مواجهة هذه الظاهرة، دعا العديد من الخبراء المؤسسات الجامعية والأكاديمية إلى تحليل مضمون التعليقات، بهدف وضع أطر ومدونات سلوك تحمي القيم الثقافية والأخلاقية من الإساءة والتسطيح والتطرف.

حملات تشوية وإساءة

أما الخبير الاجتماعي عصام عرنوص، فيؤكد ، أن "التعليقات السلبية هي انعكاس لمجموعة عوامل نفسية واجتماعية متشابكة، وغالباً ما تكون نتيجة ضغوط وتوترات يعيشها الأفراد، فيسقطونها على الآخرين عبر كلمات جارحة أو نقد قاسٍ".

ويضيف عرنوص، أن "خطورة هذه التعليقات تكمن في تحولها إلى حملات تشويه وإساءة تؤثر على سمعة الأشخاص أو المؤسسات، إضافة إلى انعكاساتها النفسية المتمثلة في الإحباط وضعف الثقة بالنفس والانكفاء الاجتماعي".

كما يعتقد أن "التعامل مع هذه الظاهرة يحتاج إلى وعي فردي وجماعي، يقوم على التمييز بين النقد البناء والهدام، مع ضرورة تجنب الاستجابات الانفعالية التي تضخم من تأثير التعليقات المسيئة"، مبيناً أن "التجاهل الواعي أو الرد الموضوعي الهادئ يقلل من وقعها ويحولها إلى مجرد كلمات عابرة".

ويتحدث عرنوص، قائلاً إن "المعالجة لا يمكن أن تكون فردية فقط، بل تتطلب برامج تثقيفية وترسيخ ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر دون تجريح، مع دور فاعل لوسائل الإعلام والمؤسسات التربوية في تعزيز قيم الاحترام المتبادل والتعبير المسؤول عن الرأي".

ويختم حديثه بالقول: "رغم خطورة التعليقات السلبية، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى فرصة للتغيير إذا قُرئت بوعي واستُخلصت منها الجوانب الموضوعية، مع تجاهل ما تحمله من دوافع شخصية أو عدائية، وبذلك يتحقق التوازن بين حرية التعبير والحفاظ على كرامة الأفراد وسلامة النسيج الاجتماعي".


اليوم, 12:59
عودة