"Today News": متابعة
خلص معهد "ثينك تشاينا" الصيني إلى أن قمة منظمة شنغهاي المنعقدة حالياً، تؤشر إلى صعود قوى الحضارات المستقلة والفاعلة والمتعددة الأقطاب، في وقت تبدو الولايات المتحدة غائبة وسلطتها الأخلاقية متضائلة وسياستها الخارجية تحت قبضة قوى جماعات اللوبي والضغط الداخلي.
وأوضح التقرير الصيني الذي حمل عنوان "هل ما تزال السياسة الخارجية الأمريكية أمريكية؟" ، أن قمة منظمة شنغهاي تشكل تناقضاً صارخاً في النظام العالمي الراهن.
وأشار إلى أن قادة الدول الحضارية، وخصوصاً الصين والهند وروسيا وتركيا، ومن جميع أنحاء الجنوب العالمي، اجتمعوا لاستعراض الوحدة والسيادة ورؤية متعددة الأقطاب للعلاقات الدولية، في حين أن الولايات المتحدة التي كانت في الماضي بمثابة "المهندس" الأبرز لمؤسسات الدولة القومية العالمية الحديثة، تبدو غائبة وتعزز عزلتها، بانحيازها العميق أحياناً كثيرة إلى إسرائيل.
ورأى التقرير أن هذا التباعد يعكس مفارقة إذ أنه في وقت تعزز دول الجنوب العالمي استقلالها، فإن سيادة واستقلال الولايات المتحدة في المقابل تبدو معرضة للخطر، ليس بسبب الغزو الخارجي، وإنما بسبب الهيمنة الداخلية.
وذكّر التقرير بأن السياسة الخارجية الأمريكية منذ العام 1948 ارتبطت بقوة بإسرائيل من خلال المساعدات الاستثنائية لها، وشبكات الضغط والخطاب، وهو ما يعيد توجيه موارد الولايات المتحدة باستمرار ويقيد استقلالها، مشيراً إلى أن إسرائيل في حقبة ما بعد الحرب الباردة، عملت على تضخيم نظرية "صراع الحضارات"، لتصور نفسها باعتبارها المدافع الأول عن الغرب، واستعبدت دافعي الضرائب الأمريكيين بشكل مستمر.
ولفت التقرير إلى أن حجم الدعم الأمريكي لإسرائيل يعتبر استثنائياً، حيث يمول دافعو الضرائب الأمريكيون 3.8 مليار دولار كمساعدات ثابتة لإسرائيل ما يجعلها أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أنه بخلاف معظم الدول التي تتلقى مساعدات، فإن إسرائيل تتمتع بامتيازات خاصة، بما في ذلك توجيه الأموال الأمريكية إلى صناعة الأسلحة، مشيراً إلى أن الالتزامات لا تحركها مطالب الناخبين المحليين، وإنما قوة اللوبي الإسرائيلي.
واعتبر التقرير أن تداعيات ذلك على السياسة الخارجية الأمريكية، كانت وخيمة، مذكراً بأن حرب العراق ما تزال أوضح مثال على ذلك.
وأشار التقرير إلى أن الباحثين جون ميرشايمر، وستيفن والت، يقولان إن اللوبي الإسرائيلي لعب دوراً حاسماً في تصوير العراق كتهديد إستراتيجي، في حرب كلفت تريليونات الدولارات، وتسببت بزعزعة استقرار الشرق الأوسط، وألحقت الضرر بمصداقية الولايات المتحدة ومن دون أن تحقق أي مكاسب للمواطنين الأمريكيين.
وأضاف التقرير أن هناك ديناميكيات مماثلة ما تزال ماثلة من خلال المواجهات الأمريكية مع إيران، والتورط في اليمن، والصدامات الدبلوماسية مع جنوب أفريقيا، والعقوبات المفروضة على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية.
وبحسب التقرير، فإن دفاع واشنطن الراسخ عن الحملات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، بالرغم من تفاقم الخسائر بين المدنيين، يؤدي إلى تقويض سيادة الولايات المتحدة واستقلالها، بالإضافة إلى تقويض مصداقيتها كقوة أخلاقية يفترض أنها كانت في السابق تروج للديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتحدث التقرير عن وجود "حالة نفاق هنا"، حيث أنه من أوروبا إلى أفريقيا وآسيا، هناك تساؤل مفاده كيف يمكن للولايات المتحدة أن تطالب خصومها بالمحاسبة، بينما تقوم هي بحماية حليفها من التدقيق والإبادة الجماعية؟.
وذكر التقرير أن الدعوة الشعبوية الداخلية لـ"جعل أمريكا عظيمة مجدداً" تعكس الرغبة في تجديد السيادة والاستقلال والحد من الحروب الخارجية والمساعدات المالية والإصلاح الداخلي، إلا أن السياسة الأمريكية ما تزال مقيدة بما يسميه النقاد "جعل إسرائيل عظيمة مجدداً"، وهو ما يعني إعادة توجيه القوة الأمريكية إلى الخارج بطرق تتعارض مع أولويات المواطن الأمريكي، وذلك من خلال أدوات الضغط السياسي، المساعدات، والتأطير الحضاري.
ولهذا، يخلص التقرير الصيني إلى القول إن قمة منظمة شنغهاي تمثل رمزياً صعود الدول الحضارية كجهات فاعلة مستقلة في نظام متعدد الأقطاب، مضيفاً أن الولايات المتحدة تبدو في المقابل غائبة، حيث تعرضت سيادتها للخطر، وتقلصت سلطتها الأخلاقية، وأُعيد توجيه سياستها الخارجية بفعل سيطرة جماعات اللوبي.
وأشار إلى أنه في حال كان الاستقلال الأول لعام 1776 قد حرر أمريكا من الحكم الاستعماري البريطاني، فإن القرن الـ21 يتطلب استقلالاً ثانياً عن حكم جماعات اللوبي الإسرائيلية.