"Today News": بغداد
????خصوصية المفردةالقرآنية36
﷽
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77)
#المال بين النعمةوالفتنة
في مقالين سابقين؛ تطرقنا إلى مساوئ حب المال المفرط وسلبيات الانكباب على جمعه، ومثالب التعلق الزائد والحرص الشديد على الملك والتملك والسعي الأعمى لتحصيله واكتناز الذهب والفضة و العقارات والنقود.
@ولا شك أن حب المال في حد ذاته ليس مرضاً، بل هو رغبة طبيعية لدى البشر. لكن الهوس بالمال والتعلق المفرط به قد يتحول إلى اضطراب نفسي خطير، يطلق عليه بعض المختصين اسم "رهاب المال"
(Chrometophobia)
أو "اضطراب المال"
ويتجلى في قلق شديد واضطراب في التعامل مع الأموال، مما يؤدي إلى سلوكيات مدمرة مثل البخل المفرط، أو الجشع، أو حتى إنفاق المال بشكل قهري.
#المال وسيلةخيرلاالشر
إذن؛ ليس المال بحد ذاته مذموماً، بل هو وسيلة عظيمة يمكن أن تكون سبباً في نيل رضا اللهﷻ:
#يجهزبه المدافعون عن الإسلام.
#وتوفربه فرص العمل للعمال وتشغّل المصانع
#وتُزوج به النساء.
#وتُطبع به المصاحف والتفاسير والكتب الإسلامية.
#وتُشَق به الطرق وتُبنى البيوت.
#وتؤسس المدارس والجامعات والمساجد ودور تحفيظ القرآن.
#وتُعطى به جوائز المسابقات الدولية.
#ويُشترى ويُصنع به السلاح الذي يدافع به المسلمون عن كيان الإسلام.
#القرآن والجهادبالمال
فماعدا سورةالتوبة التي قدم فيها ذكرالجهاد بالنفس ثم المال:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}
نجد أن تسع آيات قدَّمت ذكر الجهاد بالأموال على الجهاد بالأنفس،انظر:
1- (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا).
2- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهَ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض).
3- (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون).
4- (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُم تعلمون).
5- (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّه عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِين).
6- (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهَ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّه).
7- (لَكِنَّ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون).
8- (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون).
9- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم☆ *تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون)[الصف]
#قديشغل المال عن الله
المذموم ليس المال في ذاته، وإنما وجوه الانحراف في جمعه أو صرفه:
#جمعه من حرام وأكله بباطل
قال تعالى:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188).
#ترك العبادة والانشغال به
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ۚ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ۚ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (الجمعة:11).
#شغل القلب عن ذكرالله
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (الفتح: 11).
#عبرةمن قصة"ثعلبة"
ولنا في قصة ثعلبة بن أبي حاطب الأنصاري عظة بالغة ودرس بليغ. فقد تعاظمت ثروته ببركة دعاء الرسول ﷺوآله، لكنه حين كثرت غنمه ترك الحضور في مسجد النبي ﷺوآله، للصلوات اليومية، ثم اقتصر على صلاة الجمعة فقط. ومع ازدياد أنعامه قرر ترك الجمعة أيضاً!!
فلما أرسل النبي ﷺوآله من يجبي زكاة أمواله أخذ يتهرب من دفعها، حتى امتنع عنها وقال متجاسراً: «إنما هي مثل الجزية، وهذه أخت الجزية»!
فقال النبي ﷺ وآله: (يا ويح ثعلبة) ثلاثاً. وسُلبت البركة من أنعامه، وأنزل الله ﷻ فيه:
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)} (التوبة: 75-77).
{فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ}
#خاتمة:
المال إذن نعمة واختبار:
فمن جعله وسيلة للخير والإنفاق في سبيل اللهﷻ، بارك الله له فيه.
ومن انشغل به عن طاعة الله ﷻأو جمعه من طرق الحرام، صارت النعمة فتنة، وكان مآله الخسران والنفاق.
فالميزان القرآني دقيق: المال في يد المؤمن وسيلة، لكنه في قلب الغافل فتنة.
رعدهادي جبارة
الأمين العام
للمجمع القرآني الدولي