الرئيسية / "الكتلة الأكبر" بين تفسير الاتحادية وزيدان.. من يملك حق تشكيل الحكومة؟

"الكتلة الأكبر" بين تفسير الاتحادية وزيدان.. من يملك حق تشكيل الحكومة؟

"Today News": متابعة 

بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، عادت السجالات السياسية إلى واجهة المشهد العراقي، وهذه المرة حول مفهوم "الكتلة الأكبر" الذي لم يهدأ الجدل بشأنه منذ أكثر من عقد، بعدما أصبح محوراً لتقاطع التفسيرات القانونية مع الحسابات السياسية.

في حديث صحفي ، أكد عضو الإطار التنسيقي عدي عبد الهادي أن تفسير المحكمة الاتحادية "سيبقى قائماً باعتباره مساراً قانونياً ثابتاً لا خلاف عليه بين القوى السياسية"، مشيراً إلى أن الأيام المقبلة ستشهد "حراكاً واسعاً لتحديد ملامح التحالفات وتشكيل الحكومة المقبلة".

وأوضح أن الإطار، بوصفه الكتلة الأوسع ضمن الطيف الشيعي، سيبدأ اجتماعاته بعد إعلان النتائج لوضع خريطة طريق واضحة لمسار تشكيل الحكومة المقبلة، مبيناً أن التفسير الحالي يمنح الحق للتحالفات التي تتكوّن داخل البرلمان في ترشيح رئيس الوزراء، ما يعني أن السباق نحو التحالفات سيكون حاسماً أكثر من السباق نحو صناديق الاقتراع.

وفق قراءات سياسية، فإن الجدل حول "الكتلة الأكبر" لم يكن يوماً قانونياً صرفاً، بل ارتبط دائماً بموازين القوى التي تحكم النظام السياسي. ويشير مراقبون إلى أن القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية عام 2010، وُصف حينها بأنه "قانوني بمضمونٍ سياسي"، إذ منح الحق في تشكيل الحكومة للكتلة التي تتكوّن داخل البرلمان بعد الانتخابات، وليس بالضرورة الفائزة بعدد المقاعد يوم الاقتراع.

ويرى هؤلاء أن ذلك التفسير مهّد لولادة حكومات توافقية متكررة أنهكت النظام البرلماني وأفرغت مبدأ التداول من محتواه، فبدل أن تكون الانتخابات طريقاً مباشراً لتشكيل السلطة، أصبحت — بحسب المراقبين — مجرد محطة تفاوضية تسبقها الصفقات وتليها التفاهمات، في مشهدٍ يختلط فيه القانون بالعرف، والشرعية بالأمر الواقع.

في المقابل، تداولت الأوساط السياسية تصريحاً سابقاً لرئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، أعاد النقاش إلى نقطة الصفر. ففي حديث متلفز قال فيه إن "المحكمة الاتحادية سواء الحالية أو السابقة تفسر الدستور وفق رؤية قانونية بحتة، ولم تصدر قراراً خارج إطار الدستور"، مضيفاً أن "الكتلة الأكبر، من وجهة نظره الشخصية، هي الفائزة بالانتخابات".

ويرى محللون أن استحضار هذا التصريح في هذا التوقيت يعكس محاولة لإعادة قراءة الدستور بروح مختلفة، خصوصاً بعد أن أفرزت النتائج الأخيرة توازنات دقيقة بين الكتل، تجعل تحديد الكتلة الأكبر أمراً سياسياً بقدر ما هو قانوني.

ويقول مراقبون إن الجدل القائم لا يتعلّق بعبارة قانونية بقدر ما يعكس صراعاً على من يملك حق تسمية رئيس الوزراء. فالقوى التي حققت نتائج متقاربة تسعى إلى الاحتفاظ بالمرونة التي وفّرها التفسير القديم، لأنها تتيح إعادة هندسة التحالفات بعد إعلان النتائج، بينما الكتل التي اقتربت من الأغلبية تريد حسم الأمر وفق النص الدستوري المباشر الذي يمنح الفائز الأول حق المبادرة.

وبحسب مختصين بالشأن الدستوري، فإن هذا التباين يجعل "الكتلة الأكبر" مفهوماً سيادياً موازياً للانتخابات نفسها، لا باعتبارها بنداً دستورياً فحسب، بل آلية لتوزيع القوة داخل النظام السياسي، تتغير دلالتها بتغيّر موازين القوى واللحظة السياسية.

وتشير تقديرات سياسية إلى أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة قد تستغرق من ثلاثة إلى أربعة أشهر على أبعد تقدير، وسط أحاديث عن نية القوى الفائزة تشكيل حكومة "توافق وطني" تضم مختلف المكونات.

لكن خلف هذا الخطاب التوافقي، يرى مراقبون أن الكتل السياسية تتحرك في سباقٍ محموم لتأمين موقعها داخل الكتلة الأكبر المقبلة، التي ستحدد هوية رئيس الوزراء المقبل وتوازنات المرحلة الجديدة.

ويؤكد محللون أن الجدل المتجدد حول الكتلة الأكبر يعكس أزمة أعمق في فهم النصوص الدستورية داخل التجربة العراقية، إذ تحوّلت التفسيرات إلى أدوات سياسية تُستخدم لترسيخ موازين القوى لا لترسيخ قواعد الحكم.

ويشير هؤلاء إلى أن استمرار الخلاف بين التفسير القانوني والتطبيق السياسي يضع الديمقراطية العراقية أمام اختبار جديد: هل سيُحسم الخلاف بالنص أم بالمصالح؟

وفي الوقت الذي تترقب فيه الأوساط إعلان المفوضية للنتائج النهائية، يرى مراقبون أن ما بعد الانتخابات قد يكون أكثر حساسية من يوم الاقتراع نفسه، إذ يتوقف مسار الاستقرار السياسي على كيفية حسم مفهوم "الكتلة الأكبر"، وما إذا كانت القوى ستختار التوافق أم المواجهة في طريق تشكيل الحكومة الجديدة.


13-11-2025, 15:50
عودة