يشكّل منصب رئيس الجمهورية في العراق محورا دستوريا وسياسيا حساسا، ليس فقط لأنه رأس الدولة رمزيا، بل لأنه يمتلك صلاحيات حاسمة تؤثر مباشرة في استمرار عمل مؤسسات الدولة واستقرارها السياسي. المستشار القانوني سالم حواس أكد في إيضاح له ، أنّ رئيس الجمهورية يُعد شريكا متساويا لرئيس مجلس الوزراء ضمن السلطة التنفيذية، مستندًا إلى المادة 66 من الدستور التي تنص على أن “السلطة التنفيذية تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء معا”، وهو ما يوضح وحدة الإطار التنفيذي في إدارة شؤون الدولة.
يشترك الرئيس ورئيس الوزراء في إدارة شؤون الدولة، لكن هناك اختلاف جوهري في مسألة عدد الدورات. الدستور قيّد رئيس الجمهورية بمفردة “فحسب”، ما يعني أنه لا يمكنه تولي المنصب لأكثر من دورتين متتاليتين، في حين أن هذا القيد غير موجود بالنسبة لرئيس الوزراء، ما يعكس فلسفة دستورية مختلفة لكل منصب.
كما أن مفهوم تصريف الأعمال ينطبق حصريًا على مجلس الوزراء عند انتهاء ولايته، إذ لا يُسمح له إلا بممارسة الأعمال اليومية البسيطة وفق قرارات المحكمة الاتحادية العليا، بينما يظل رئيس الجمهورية ملزمًا بممارسة اختصاصاته كاملة، بما في ذلك دعوة مجلس النواب للانعقاد بعد الانتخابات، وهي خطوة أساسية لضمان استمرارية المؤسسات وعدم شل العملية السياسية.
وفق حواس، تشمل صلاحيات رئيس الجمهورية:
-دعوة البرلمان للانعقاد بعد الانتخابات.
-التصديق على القوانين بعد إقرارها من البرلمان.
-ترشيح رئيس الوزراء رسميًا وفق نتائج الانتخابات والتوافقات السياسية.
-تعيين بعض المناصب العليا لضمان استمرار المؤسسات.
ووفقا لخبراء الدستور، يمتلك رئيس الجمهورية صلاحية حل البرلمان وفق الحالات المقررة دستوريًا، وذلك في ظروف محددة مثل فشل البرلمان في انتخاب رئيس الحكومة خلال المدد الدستورية، أو تعطيل العملية التشريعية بشكل مستمر. هذه الصلاحية تمنح الرئيس تأثيرًا استراتيجيًا على العملية السياسية، إذ يمكن أن تُعيد ترتيب التوازنات السياسية وتضغط على الأطراف المختلفة لإتمام التوافقات، وهي ما يفسر سبب التركيز الكبير على هذا المنصب في الصراعات السياسية بعد الانتخابات.
على الرغم من الصلاحيات القانونية، يُشير المتابعون إلى أن العرف السياسي العراقي يخصص عادة منصب رئيس الجمهورية للأكراد، كجزء من التوازنات الطائفية والإقليمية المعتمدة منذ 2005. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعدًا في المطالبات الشخصية والحزبية من مختلف القوى السياسية للحصول على المنصب، ما حوله من قاعدة عرفية إلى مادة صراع سياسي مباشر، يعكس التنافس بين الأحزاب والمكونات السياسية على الرمزية والسلطة التنفيذية، ويزيد من تعقيد المشهد الانتخابي بعد كل استحقاق.
وبحسب مراقبين، الكرسي يستحق الصراع السياسي ليس من أجل الهيبة الرمزية، بل لضمان ممارسة اختصاصات دستورية لا يمكن لأي حكومة تصريف أعمال القيام بها، بما فيها صلاحية حل البرلمان التي تمنح الرئيس تأثيرًا حاسمًا على مسار العملية السياسية وتحافظ على استقرار الدولة في مرحلة حساسة بعد الانتخابات.
رئيس الجمهورية في العراق ليس منصبًا شرفيًا، بل وظيفة دستورية أساسية لضمان استمرار الدولة ومؤسساتها. الصراع على الكرسي يعكس أهميته الحقيقية، إذ تتقاطع فيه مصالح القوى السياسية وتحكمه قواعد قانونية واضحة تحدد صلاحيات الرئيس، وتوازنها مع دور رئيس الوزراء. الفهم الدستوري لهذه الصلاحيات، بما فيها حل البرلمان وفق خبراء الدستور، إلى جانب الأخذ بالعرف السياسي والمطالبات الحزبية والشخصية، هو السبيل لتخفيف التوتر السياسي وضمان استقرار الدولة بعد كل انتخابات.