الرئيسية / اختبار ثقيل .. هل تتحمل بغداد غضب واشنطن بعد سحب إدراج الحوثيين وحزب الله من قوائم الإرهاب؟

اختبار ثقيل .. هل تتحمل بغداد غضب واشنطن بعد سحب إدراج الحوثيين وحزب الله من قوائم الإرهاب؟

"Today News": متابعة 

من اتخذ قرار إدراج الحوثيين وحزب الله في قوائم الإرهاب؟ سؤال شغل الأوساط السياسية داخل العراق، وامتد إلى عواصم إقليمية تابعت الحدث بوصفه خطوة غير اعتيادية، بعدما تصدّر القرار 61 لسنة 2025 عناوين نشرات الأخبار فور ظهوره في الوقائع العراقية. أما التراجع السريع عنه، فقد فتح باباً أوسع للتساؤلات حول الجهة التي مررت الإدراج، والسبب الذي دفع الحكومة إلى سحب تأثيره خلال ساعات، في ملف ترتبط تفاصيله بتوازنات داخلية دقيقة وحساسية إقليمية واضحة.

القائمة التي حملها القرار تضمنت للمرة الأولى اسمي حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين، وهو ما كشف عن مسار إداري جرى تنفيذه بالكامل وفق إجراءات الامتثال المالي، لكنه افتقر إلى التقييم السياسي الضروري في حالة تتداخل فيها الملفات الإقليمية مع الحسابات الداخلية بصورة لا تسمح بالتعامل مع هذه القوائم بوصفها مجرد تحديث فني. فالطلب الذي وصل من ماليزيا، وتمت صياغته من قبل لجنة تجميد أموال الإرهابيين، مرّ عبر سلسلة من الخطوات المتعارف عليها داخل الدولة، بدءاً من مراجعة المعلومات مروراً بالمصادقة الإدارية وصولاً إلى الإحالة للنشر، إلا أن طبيعة الأسماء المدرجة كانت تتطلب مستوى أعلى من المناقشة، بالنظر إلى أن حزب الله والحوثيين يمثلان جزءاً محورياً من شبكة النفوذ الإقليمي التي ترتبط بها قوى سياسية وفصائل مسلحة داخل العراق.

وخلال مراجعات ما بعد الأزمة، اتضح أن اللجنة المختصة ناقشت بالفعل الحساسية السياسية المحتملة، لكنها وضعت في الاعتبار مستوى الضغوط التي واجهها البنك المركزي خلال الأشهر الماضية بسبب ملفات الامتثال المالي، وهو ما دفع بعض أعضائها إلى الاعتقاد بأن تمرير القائمة دون تعديل قد يمنح العراق مساحة أفضل في التعامل مع الملاحظات الدولية، خصوصاً في ظل التلويح الأمريكي باتخاذ إجراءات إضافية قد تستهدف النظام المصرفي إذا لم تتقدم بغداد في مسار مكافحة تمويل الإرهاب. هذا التقدير الفني لم يأخذ في الحسبان ردود الفعل التي قد تصدر عن القوى السياسية القريبة من إيران، والتي رأت في النشر تحولاً استثنائياً في موقف الدولة، ومؤشراً لا يمكن قبوله على إمكانية تعامل بغداد مع حلفاء إقليميين وفق تعريفات تُستخدم عادة في سياق الضغط الأمريكي.

وعندما وصلت صورة القرار إلى مكاتب قادة الإطار التنسيقي، بدأت موجة من الاستفسارات والاعتراضات التي تحركت بسرعة نحو مكتب رئيس الوزراء، لتفتح الباب أمام مراجعة عاجلة لجميع المراسلات التي أدت إلى النشر. وفي تلك اللحظة، ظهر الانقسام بين القراءة الإدارية التي اعتبرت أن القرار صدر وفق السياقات الرسمية المعتادة، وبين القراءة السياسية التي رأت أن إدراج حزب الله والحوثيين يمسّ مباشرة توازنات العراق في المنطقة، ويخلق سابقة قد تُستخدم لاحقاً لتوسيع القوائم بحيث تشمل فصائل عراقية مرتبطة بالمحور ذاته. وقد عبّر عضو الإطار التنسيقي عدي عبد الهادي عن هذا القلق بوضوح حين قال لـ“بغداد اليوم” إن القرار “غير مدروس”، وإن الضغط الذي تعرّضت له الحكومة للسير بهذا الاتجاه “يثير تساؤلات حول المرحلة التالية”، في إشارة إلى احتمال توظيف هذا النوع من القرارات لاحقاً في ملفات محلية.

وتستند قراءة القوى السياسية إلى مجموعة من الحقائق الأساسية المرتبطة بطبيعة حزب الله والحوثيين ودور كل منهما في الإقليم. فالحوثيون، الذين يسيطرون على صنعاء منذ عام 2014، يمثلون القوة العسكرية والسياسية الأكبر في شمال اليمن، ويمتلكون قدرات صاروخية ومسيرات تُستخدم في النزاع الإقليمي، فيما يشكل حزب الله الذراع الأبرز للحرس الثوري الإيراني خارج الحدود، وله حضور سياسي وأمني واسع داخل لبنان، بالإضافة إلى تنسيق مباشر مع فصائل عراقية منذ مرحلة الحرب على داعش. هذه الخلفية تجعل أي خطوة رسمية عراقية تتعلق بالكيانين خطوة ذات دلالة سياسية، بغض النظر عن الصياغة القانونية التي تُقدّم بها.

ولو بقيت الأسماء على القائمة، فإن العراق كان سيدخل في مسار معقّد يتضمن تجميد أي أصول مالية مرتبطة بالكيانين داخل البلاد، ومنع المصارف من التعامل مع أي جهة يُشتبه بارتباطها بهما، إضافة إلى ظهور حالة ارتباك في العلاقة بين بغداد وطهران، خصوصاً وأن الحزب والحوثيين جزء من منظومة نفوذ ترتبط بها فصائل عراقية تمتلك تأثيراً في المشهد الأمني والسياسي. كما كان بقاء القرار سيعزز مخاوف القوى الداخلية من أن تتحول قوائم الإرهاب إلى أداة سياسية قابلة للتوسع، الأمر الذي يمكن أن يخلق مواجهة مفتوحة مع جهات عراقية فاعلة.

أما بعد التراجع، سواء عبر بيان اللجنة أو عبر قرار رفع رسمي يصدر لاحقاً، فإن المشهد يتجه نحو إعادة تثبيت التوازن السياسي الداخلي، والتأكيد على أن العراق لا يرغب في الدخول في مسار تصعيدي مع محور إيران، وفي الوقت نفسه يحاول الحفاظ على مستوى مقبول من الامتثال للمعايير الدولية دون المساس بالتحالفات الداخلية التي يقوم عليها النظام السياسي. ويبدو أن الحكومة تحاول اليوم إيجاد صيغة تسمح بفصل ملف الامتثال المالي عن ملف العلاقات الإقليمية، من دون أن تخلق انطباعاً بأنها تتبنى موقفاً جديداً في تعريف الإرهاب أو في طريقة التعامل مع شبكة الفاعلين غير الدوليين في المنطقة.

ومع اتضاح حجم الارتباك الذي تسبّب به النشر، بدأت داخل دوائر القرار نقاشات أكثر حساسية تتعلق بما إذا كان من الممكن معالجة الخطأ بقرار إداري يعيد الأمور إلى نصابها من دون الحاجة إلى بيانات إضافية، أم أن الضغط السياسي الداخلي والخارجي يجعل أي خطوة من هذا النوع محفوفة بسوء التأويل. فالقانون واضح: القرار الذي نُشر في الوقائع لا يُلغى إلا بقرار جديد يحمل الصياغة نفسها ويرد في الجريدة الرسمية بالطريقة ذاتها، وهو ما يعني أن الحل الفني متاح ولا يحتاج سوى توقيع اللجنة وإعادة الإحالة للنشر. لكن المشكلة التي شغلت طاولة النقاش لم تكن في الإجراء، بل في الكيفية التي سيُقرأ بها هذا القرار؛ إذ تخشى الحكومة أن يُفهم الإلغاء بأنه رضوخ مباشر لاعتراضات سياسية داخلية، في وقت تراقب فيه الولايات المتحدة كل إشارة تتعلق بملف الامتثال المالي الذي صار من أكثر الملفات حساسية في العلاقة بين بغداد وواشنطن.

وبينما كانت اللجنة تشير إلى قدرتها على تصحيح الخطأ خلال ساعات متى ما تطلب الأمر ذلك، كانت التساؤلات الأوسع تتعلق بما إذا كانت هذه الخطوة ستفتح باباً جديداً من الضغوط الأمريكية، خصوصاً أن واشنطن لم تُخفِ انزعاجها في الأشهر الأخيرة من ضعف قدرة النظام المالي العراقي على منع أي حركة يُعتقد أنها تخدم شبكات مرتبطة بمحور إيران. ولذلك برز تقدير داخل غرفة القرار بأن الإلغاء، وإن كان سهلاً من الناحية الفنية، قد يتحول سياسياً إلى رسالة معاكسة للسرد الذي تريد الحكومة أن تقدمه في مفاوضاتها مع الجانب الأمريكي. لكن هذا لا يعني أن العراق مقبل على صدام مباشر؛ فالمؤشرات المتداولة داخل المكاتب المختصة تؤكد أن واشنطن تنظر إلى ما حدث باعتباره خطوة مرتبطة بآليات الامتثال أكثر من كونه تغييراً في موقف بغداد من حزب الله أو الحوثيين، وأن أي تراجع لا يتجاوز حدود التصحيح الإداري لن يؤدي إلى أزمة مفتوحة، بل ربما يدفع الولايات المتحدة إلى تشديد مطالبها الرقابية من جديد من دون الذهاب إلى إجراءات عقابية واسعة.

وبهذا المعنى، بات واضحاً أن جوهر المشكلة لا يتمثل في وجود اسمين على ورقة حكومية، بقدر ما يتمثل في صورة الدولة وهي تحاول الموازنة بين التزاماتها الدولية وشبكة تحالفاتها الداخلية، ومدى قدرتها على إنجاز هذه المعادلة من دون خسائر إضافية في علاقتها مع القوى الإقليمية أو مع واشنطن. ومع استمرار البحث عن صيغة تصحيحية مقبولة، بدا لجميع الأطراف أن ما جرى ليس مجرد خطأ إداري، بل اختبار جديد لمدى صلابة الهامش الذي تتحرك فيه الدولة العراقية عندما تلتقي البيروقراطية بالقوة السياسية وتتشابك التزامات الداخل مع اشتراطات الخارج.


4-12-2025, 18:49
عودة