الرئيسية / إهانة القرآن انحدار أخلاقي فما موقف البيت الأبيض؟

إهانة القرآن انحدار أخلاقي فما موقف البيت الأبيض؟

"Today News": بغداد 

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}*
   في سابقة خطيرة تعكس انحدارًا أخلاقيًا مقلقًا في الخطاب السياسي لبعض التيارات المتطرفة في الغرب، أقدم مرشح لمجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا على ارتكاب فعل مسيء وصادم، تمثل في انتهاك حرمة القرآن الكريم ووضعه في فم دمية خنزير، في مشهد لا يمكن توصيفه إلا بوصفه جريمة كراهية دينية مكتملة الأركان، واستفزازًا متعمدًا لمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وتهديداً للسلم حول العالم.
   إن هذه الممارسات الهمجية والاستفزازية، مهما بلغت درجة الإساءة والانحطاط فيها، لن تزيد المسلمين إلا إيمانًا مع إيمانهم، وتمسكًا بثوابتهم و كتابهم المقدس، الذي يشكّل مصدر التشريع الأول والمنهج القويم في حياتهم، والداعي إلى الطيب من القول، ونشر قيم السلام والتعايش والمحبة بين البشر. فالمصحف الشريف استودعه الله في الصدور قبل أن يكون مكتوبًا في السطور، وقد تكفّل بحفظه، مصداقًا لقوله تعالى:
*{إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}*

????الكراهية كأداة انتخاب!
    إن خطورة هذه الواقعة لا تكمن في الفعل ذاته فحسب، بل في كون مرتكبها مرشحًا رسميًا لمنصب تشريعي، ما يجعل ما جرى فعلًا سياسيًا بامتياز، ويحوّل الإساءة إلى رسالة موجهة، لا إلى المسلمين وحدهم، بل إلى القيم الإنسانية الجامعة. فحين تُستخدم المقدسات الدينية مادةً للدعاية الانتخابية، فإننا نكون أمام شعبوية رخيصة لا تتورع عن توظيف الكراهية من أجل حصد الأصوات.
   إن ما حدث ليس حرية تعبير، بل تحريض علني على الكراهية الدينية، و تكريس سافر للإسلاموفوبيا، و تقويض مباشر لأسس التعايش السلمي. وهو سلوك يفضح ازدواجية المعايير في الخطاب السياسي الغربي، حيث تُجرَّم الإساءة إذا طالت فئات بعينها، وتُبرَّر أو يُتغاضى عنها حين تستهدف الإسلام ورموزه.

????سجل متكرر لا يمكن تجاهله
    هذه الحادثة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة ما لم تُواجَه بحزم. فقد شهد العالم في عامي 2011 و2012 قيام القس الأمريكي المتطرف تيري جونز بحرق نسخ من المصحف الشريف في فلوريدا، وبث تلك المشاهد عبر الإنترنت، بذريعة واهية، دون أن يقابل ذلك بردع قانوني رادع، الأمر الذي شجّع على تكرار هذه الجرائم بأشكال أكثر استفزازًا ووقاحة.
    كما أن التاريخ الأوروبي ذاته حافل بحوادث إحراق القرآن الكريم ومنع ترجماته ومصادرة نسخه منذ القرن السادس عشر، سواء عبر قرارات كنسية أو محاكم تفتيش أو خلال الحروب الصليبية. وهو تاريخ يثبت أن هذه الأفعال ليست “أحداثًا فردية”، بل امتدادًا لخطاب عدائي قديم لم يثمر إلا مزيدًا من الانقسام والكراهية.

????مسؤولية البيت الأبيض والقضاء الأمريكي
    إن استمرار الصمت الرسمي، أو الاكتفاء بعبارات فضفاضة عن “حرية التعبير”، يجعل الإدارة الأمريكية شريكًا معنويًا في تطبيع خطاب الكراهية.  
    وعليه؛ فإن المسؤولية السياسية والقانونية تفرض على البيت الأبيض والقضاء الأمريكي التحرك الفوري لمحاسبة المسيء، وإلغاء ترشحه، ومنعه من الاستمرار في العمل السياسي، باعتبار أن من ينتهك المقدسات الدينية لا يملك الحد الأدنى من الأهلية الأخلاقية لتمثيل الناس أو سنّ القوانين.
   كما أن من الضروري فرض إجراءات قانونية واضحة، تشمل منعه من السفر إلى أي دولة إسلامية، باعتباره شخصية محرضة على الكراهية الدينية، في انسجام تام مع القوانين والأعراف الدولية التي تجرّم التحريض العنصري والديني.

????موقف المرجعيات الدينية الكبرى
    وإلى جانب التحرك السياسي والدبلوماسي، فإن المسؤولية الأخلاقية والتاريخية تفرض على المرجعيات الدينية العليا في العالم أن تعلن موقفًا واضحًا وموحدًا، وفي مقدمتها المرجعيات الإسلامية في مكة المكرمة، والنجف الأشرف، والقاهرة، وقم، إلى جانب الكرسي الرسولي في الفاتيكان.
    إن صدور موقف جماعي صريح من هذه المرجعيات، يدين الإساءة للمقدسات ويرفض توظيف الدين في الصراعات السياسية، سيبعث برسالة أخلاقية عالمية مفادها أن الأديان تقف صفًا واحدًا ضد الكراهية والتحريض، وأن قدسية الإيمان فوق الحسابات الانتخابية والمزايدات الشعبوية.

????تحرك دبلوماسي وشعبي مطلوب
   وفي هذا السياق، تبرز ضرورة استدعاء جميع سفراء الولايات المتحدة في دول العالم الإسلامي، على وجه الخصوص، لإبلاغهم موقفًا رسميًا رافضًا لهذه الجريمة، والمطالبة بضمانات واضحة بعدم تكرارها، وبمحاسبة مرتكبيها.
    كما تقع على عاتق منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، ومنظمة اليونسكو، مسؤولية الخروج من دائرة الإدانة اللفظية، واتخاذ إجراءات عملية لمواجهة جرائم الكراهية الدينية، وإجبار الولايات المتحدة على احترام التزاماتها الدولية في مكافحة الإسلاموفوبيا.
     وعلى المستوى الشعبي، فإن التعبير عن الغضب والرفض حق مشروع، ويجب أن يتجسد في مظاهرات سلمية واسعة ومنظمة أمام السفارات الأمريكية في مختلف أنحاء العالم، ولا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا، لإيصال رسالة واضحة بأن المساس بالمقدسات الدينية خط أحمر، وأن كرامة الشعوب لا تُستباح تحت أي ذريعة.

????خاتمة:
إن الإساءة للقرآن الكريم ليست قضية دينية فحسب، بل قضية أخلاقية وسياسية وإنسانية تمس جوهر السلم العالمي. وستبقى مثل هذه الأفعال، مهما تكررت، عاجزة عن النيل من مكانة القرآن في قلوب المؤمنين، بقدر ما تكشف عن إفلاس أخلاقي وسياسي لدى أصحابها، وتضع الديمقراطية الأمريكية أمام اختبار حقيقي:
إما الانتصار لقيم العدالة والاحترام المتبادل، أو السقوط في مستنقع الكراهية المقنّعة بشعارات زائفة.

د.رعدهادي جبارة
 الأمين العام
 للمجمع القرآني الدولي

اليوم, 11:12
عودة