الرئيسية / الصين والملف الإيراني .. توازن إقليمي واختبار دولي

الصين والملف الإيراني .. توازن إقليمي واختبار دولي

"Today News": متابعة 

????طهران ترقب دورالصين في اختبارمجلس الأمن????

????تشهد السياسة الصينية في الشرق الأوسط لحظة اختبار دقيقة، تتقاطع فيها التحركات الدبلوماسية الإقليمية مع الاستحقاقات الدولية، وفي مقدمتها الاجتماع المرتقب غداً الثلاثاء23كانون الأول- ديسمبر لمجلس الأمن الدولي بشأن القرار 2231 المتعلق بالملف النووي الإيراني. وفي هذا السياق، تتزايد في طهران التوقعات بأن تلعب بكين دورًا فاعلًا في كبح أي مساعٍ أميركية أو أوروبية لإعادة تفعيل آليات الضغط عبر المجلس، وصولًا – إن لزم الأمر – إلى استخدام حق النقض (الفيتو).

يأتي ذلك بعد صدور بيان مشترك ثلاثي بين الصين وإيران والسعودية عقب جولة من المحادثات السياسية،قبل بضعةأيام، تناول قضايا إقليمية و دولية عامة، وأعاد التأكيد على أهمية الاستقرار و الحلول الدبلوماسية. غير أن قراءة هذا البيان، إلى جانب السلوك الصيني الأوسع في المنطقة، تفرض مقاربة واقعية لا تُحمّل بكين ما يتجاوز منطق سياستها الخارجية.

????الصين: إدارة التوازن لا الانحياز
تسعى الصين بوضوح إلى ترسيخ نفسها كفاعلٍ دولي قادر على التواصل مع أطراف متعارضة دون الانخراط في محاور صلبة. هذا ما يفسّر قدرتها على رعاية التقارب الإيراني–السعودي، ثم الانتقال لاحقًا إلى تعميق شراكاتها الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، دون أن تعتبر ذلك تناقضًا.

فالسياسة الصينية لا تقوم على فكرة “الحليف الاستراتيجي” بالمعنى الأيديولوجي أو الأمني، بل على إدارة التوازنات وتعظيم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بأقل كلفة ممكنة. ومن هذا المنظور، يُفهم البيان الثلاثي الأخير كجزء من سياسة احتواء التوترات، لا كإعلان اصطفاف أو التزام سياسي عميق تجاه أي طرف.

????إيران والرهان على بكين في مجلس الأمن

تعقد طهران آمالًا كبيرة على الصين في اجتماع مجلس الأمن المرتقب، خصوصًا في ظل القلق من محاولات غربية لتفسير القرار 2231 أو تفعيله بطريقة تُفضي إلى إعادة الضغوط الدولية. ومن الناحية السياسية، تمتلك الصين بالفعل أدوات مؤثرة: موقعها كعضو دائم في المجلس، ومعارضتها التقليدية لاستخدام آليات العقوبات، ورفضها المبدئي لما تعتبره “تسييسًا” للملفات الدولية.

غير أن السؤال الجوهري لا يتعلق بقدرة الصين على استخدام الفيتو، بل بمدى استعدادها لتحمّل كلفة سياسية ودبلوماسية واسعة في حال قررت المواجهة الصريحة مع الولايات المتحدة وأوروبا دفاعًا عن إيران. فالتجربة تشير إلى أن بكين تفضّل، كلما أمكن، تفريغ مشاريع القرارات من مضمونها التصعيدي، أو تأجيلها، أو الدفع نحو صيغ توافقية، بدل اللجوء المباشر إلى الفيتو الذي يرفع مستوى الاستقطاب الدولي.

????الحسابات الصينية الأوسع
   تدرك الصين أن علاقاتها مع إيران مهمة في ملفات الطاقة، والجغرافيا السياسية، والتنسيق داخل أطر متعددة الأطراف مثل منظمة شنغهاي وبريكس. لكنها، في المقابل، تدرك أيضًا أن مصالحها الاقتصادية والاستثمارية مع السعودية والإمارات ودول الخليج تفوق، من حيث الحجم والاستقرار، أي شراكة أخرى في المنطقة.

لذلك، فإن السلوك الصيني في مجلس الأمن سيكون محكومًا بمنطق منع التصعيد لا تبنّي المواجهة. أي إن بكين قد تعمل على تعطيل أو تحييد أي قرار يهدد بانفجار دبلوماسي كبير، لكنها في الوقت نفسه ستتحاشى تحويل الملف الإيراني إلى ساحة صدام مفتوح مع الغرب، ما لم تُفرض عليها هذه المواجهة فرضًا.

????بيان ثلاثي… ورسائل محسوبة

في هذا الإطار، يمكن فهم البيان الصيني–الإيراني–السعودي كرسالة مزدوجة:
رسالة تطمين إقليمية بأن بكين قادرة على جمع الخصوم على طاولة واحدة، ورسالة دولية مفادها أن الصين تفضّل الحلول التوافقية والاستقرار، لا العقوبات والضغوط القصوى.

لكن هذا لا يعني أن البيان يؤسس لتحالف ثلاثي، أو أنه يعكس استعدادًا صينيًا لمنح إيران مظلة سياسية مفتوحة في المحافل الدولية. فالصين، كما تُظهر تجربتها، تميّز بدقة بين الدعم الدبلوماسي المحسوب والالتزام السياسي المكلف.

????خلاصة
في ضوء اجتماع مجلس الأمن والبيان الثلاثي الأخير، تبدو الصين أقرب إلى لعب دور “مُخفِّف الأضرار” منه إلى “المنقذ السياسي”. هي قوة كبرى براغماتية، تسعى إلى منع الانفجار، والحفاظ على قنوات الحوار، وحماية مصالحها الواسعة في الشرق الأوسط، دون أن تتحول إلى طرف في صراع مفتوح.

وعليه، فإن الرهان الواقعي لا ينبغي أن يكون على فيتو صيني تلقائي، بل على دبلوماسية صينية نشطة تُبقي الملف الإيراني ضمن حدود السيطرة الدولية، وتمنع انزلاقه إلى مرحلة جديدة من العقوبات والضغوط، وهو ما ينسجم – في نهاية المطاف – مع مصالح جميع الأطراف.

د. رعد هادي جبارة
باحث في العلاقات الدولية ودبلوماسي سابق


اليوم, 13:08
عودة