الرئيسية / إشارات مقلقة .. هل سينعكس تصاعد الإرهاب في سوريا على أمن العراق الداخلي ؟

إشارات مقلقة .. هل سينعكس تصاعد الإرهاب في سوريا على أمن العراق الداخلي ؟

"Today News": متابعة 

في الوقت الذي يروج فيه لانحسار التهديد الإرهابي في المنطقة، تعود الساحة السورية لتبعث إشارات مقلقة، لا تتعلق فقط بتجدد العمليات المسلحة، بل بطبيعة التحولات التي تشهدها الجماعات المتطرفة في أساليب عملها وانتشارها. هذه التحولات، وفق تحذيرات الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية اللواء جواد الدهلكي، تمثل تحدياً مباشراً للأمن الداخلي العراقي، وتفرض إعادة تقييم شاملة لمعادلات الاستقرار القائمة.

ويوم أمس الجمعة، تبنّت مجموعة “سرايا أنصار السنة” المتطرفة في بيان عبر “تليغرام” تفجير عبوات ناسفة داخل مسجد الإمام علي بن أبي طالب في مدينة حمص السورية، ما أسفر عن قتل 8 أشخاص على الأقل وإصابة آخرين، بحسب السلطات السورية ووكالات الأنباء. 

وأوضحت الجماعة التي تأسست بعد سقوط النظام السابق في سوريا أنها قامت بتفجير العبوات بالتعاون مع مسلحين من جماعة أخرى، وأكدت في بيانها أن هجماتها ستستمر بالتزايد وتستهدف “الكفار والمرتدين”، في إشارة إلى استمرار نشاطها ورفع مستوى العنف الذي تمارسه داخل سوريا. 

كما تُعد هذه العملية جزءاً من سلسلة تهديدات ونشاطات أعلنتها “سرايا أنصار السنة” خلال الأشهر الماضية، منها تبنيها تفجير انتحاري داخل كنيسة في دمشق في حزيران 2025، وهو ما يُظهر توجهات وتوسعاً في استهداف مواقع مدنية ذات دلالات دينية، ما يشير إلى تحول نقابي في أسلوب عمل تلك الجماعات.

سوريا ما بعد المعارك الكبرى: الإرهاب يعيد تعريف نفسه

يرى الدهلكي خلال حديثه لـ"بغداد اليوم"، أن الجماعات الإرهابية في سوريا لم تعد تتحرك وفق نمط السيطرة المكانية الواسعة كما في سنوات سابقة، بل انتقلت إلى نموذج أكثر مرونة وخطورة، يعتمد على إعادة التنظيم الصامت، واستغلال الفراغات الأمنية، والتكيف مع واقع الانقسام والسيولة الأمنية. هذا التحول يجعل من الصعب رصد التهديد مبكراً، ويمنح تلك الجماعات قدرة أكبر على المناورة والانتشار العابر للحدود.

وبحسب هذا التوصيف، فإن ما يجري في بعض المناطق السورية لا يمكن اعتباره شأناً داخلياً سورياً فقط، بل جزءاً من مشهد أمني إقليمي مفتوح، تتقاطع فيه مصالح دول، وتتحرك فيه جماعات مسلحة خارج منطق الدولة، مستفيدة من هشاشة السيطرة وتعدد مناطق النفوذ.

الحدود العراقية – السورية: خط تماس مفتوح على الاحتمالات

في قلب هذا المشهد، تبرز الحدود العراقية – السورية بوصفها أحد أكثر الملفات حساسية. اللواء جواد الدهلكي يحذر من أن محاولات إعادة التموضع قرب المناطق الحدودية تمثل أخطر مراحل التهديد، ليس لأنها تعني بالضرورة اختراقاً مباشراً، بل لأنها تخلق بيئة ضغط مستمر على المنظومة الأمنية العراقية، وتستنزف الجهد الاستخباري والعسكري على المدى الطويل.

ويشير إلى أن خطر التسلل لا يقتصر على العناصر المسلحة فقط، بل يمتد إلى شبكات الدعم اللوجستي، وتهريب الأموال، وإعادة ربط الخلايا النائمة داخل المدن العراقية بخلايا القيادة والتوجيه خارج الحدود.

الخلايا النائمة: التهديد الذي لا يُرى

أحد أخطر ما يحذر منه الدهلكي هو عودة تفعيل الخلايا النائمة، بوصفها الأداة الأقل كلفة والأكثر تأثيراً للجماعات الإرهابية. فهذه الخلايا، التي ظلت خاملة لسنوات، قد تستعيد نشاطها في لحظات إقليمية مضطربة، مستفيدة من التوترات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

ويرى أن استهداف “المناطق الرخوة” أمنياً أو اقتصادياً لم يعد خياراً ثانوياً، بل جزءاً من استراتيجية تهدف إلى إرباك المشهد الداخلي، وإرسال رسائل تهديد تتجاوز حجم العملية نفسها، لتضرب الثقة العامة بالأمن والاستقرار.

الإعلام والتجنيد الإلكتروني: معركة العقول قبل السلاح

لا يقل البعد الإعلامي خطورة عن البعد الميداني. اللواء جواد الدهلكي يؤكد أن تصاعد التحريض الإعلامي والتجنيد الإلكتروني يشكل خط الدفاع الأول للجماعات الإرهابية في المرحلة الحالية. فالمنصات الرقمية تحولت إلى ساحات عمليات موازية، تُستخدم لإعادة إنتاج الخطاب المتطرف، واستغلال الأزمات الإقليمية في بث روايات تعبئة وتحريض، خصوصاً بين الفئات الهشة اجتماعياً.

ويحذر من أن تجاهل هذا البعد قد يسمح بخلق بيئة حاضنة جديدة، حتى في ظل غياب السيطرة المكانية أو العمليات الكبرى.

العراق بين الإنجاز الأمني واختبار الاستدامة

ورغم إقراره بالتقدم الكبير الذي حققه العراق في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الماضية، يشدد الدهلكي على أن هذا الإنجاز يبقى هشاً إذا لم يُدعّم باستراتيجية استباقية مستدامة. فالتغير في طبيعة التهديد يتطلب تغيراً موازياً في أدوات المواجهة، يقوم على تعزيز الجهد الاستخباري، وتكثيف التنسيق بين المؤسسات الأمنية، وتبادل المعلومات إقليمياً ودولياً.

كما يؤكد أن تشديد الرقابة على الشريط الحدودي باستخدام التقنيات الحديثة والدوريات المشتركة لم يعد خياراً، بل ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة.

الاستقرار ليس عسكرياً فقط

في ختام قراءته، يذهب اللواء جواد الدهلكي إلى أن الحفاظ على الأمن الداخلي في العراق لم يعد مسألة عسكرية أو أمنية بحتة، بل مشروع وطني متكامل، يتداخل فيه الأمن مع الوعي المجتمعي، والسياسة مع الاقتصاد، والإعلام مع التعليم. فالإرهاب، كما يقول، يتغذى على الثغرات، وأي خلل في أحد هذه المسارات قد يتحول إلى مدخل لتهديد أكبر.

ويخلص إلى أن العراق يقف اليوم أمام اختبار استباقي، إما أن يقرأ ما يجري في جواره بعمق وواقعية، أو أن يواجه لاحقاً تهديدات أكثر تعقيداً وأقل قابلية للاحتواء.


اليوم, 14:11
عودة