الرئيسية / إعدام الطاغية .. إحقاق للعدالة وترسيخ للسيادة الوطنية

إعدام الطاغية .. إحقاق للعدالة وترسيخ للسيادة الوطنية

"Today News": بغداد 

يستحضر العراقيون في الثلاثين من كانون الأول من كل عام ذكرى مفصلية في تاريخهم المعاصر، تمثّلت في تنفيذ حكم القضاء بحق الطاغية صدام حسين في 30/12/2006، بعد مسار قانوني وقضائي طويل، جاء استجابةً لمبدأ راسخ في منظومة حقوق الإنسان، وهو عدم الإفلات من العقاب عن الجرائم الجسيمة، ولا سيما جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي ارتُكبت بحق الشعب العراقي على مدى عقود.

لقد شكّل هذا الحدث محطةً أساسية في مسار العدالة الانتقالية في العراق، ورسالة واضحة مفادها أن انتهاكات حقوق الإنسان، مهما طال الزمن، لا يمكن أن تُطوى أو تُبرَّر دون مساءلة قانونية. ولم يكن تنفيذ الحكم تعبيرًا عن الانتقام، بل تأكيدًا على سيادة القانون، وحق الضحايا في الاعتراف بما لحق بهم من ظلم، وفي إنصافٍ رمزي ومعنوي طال انتظاره.

وقد جاء تنفيذ هذا الحكم التاريخي بتوقيعٍ شجاع ومسؤول من رئيس الوزراء آنذاك، دولة السيد نوري كامل المالكي، في قرارٍ وطني جسّد تطلعات الملايين من الضحايا وذويهم، وداوى جراحًا غائرة في ضمير العراق، وأقرّ عيون الآباء والأمهات، والأرامل، والأيتام، وكل من ذاق مرارة الظلم والقهر في ظل النظام الدكتاتوري البائد، من مختلف المكوّنات والانتماءات، داخل العراق وخارجه.

ويتّسق هذا المسار القضائي مع المعايير الدولية المعتمدة في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية، كما وردت في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. وتؤكد هذه الصكوك أن الجرائم الأشد خطورة لا تسقط بالتقادم، وأن المساءلة القانونية تمثل واجبًا على الدول وضمانة لعدم تكرار الانتهاكات.

إن الجرائم التي تعرّض لها العراقيون من قتل جماعي، وتعذيب، وتهجير قسري، وإخفاء قسري، وقمع للحريات، تشكّل سجلًا موثقًا لانتهاكات جسيمة يتحمّل مسؤوليتها النظام الدكتاتوري السابق وأجهزته القمعية، وعلى رأسها الطاغية صدام حسين وحزب البعث البائد. ونؤكد من منظور حقوقي أن المسؤولية الجنائية فردية، ولا يجوز تحميل أي مكوّن اجتماعي أو ديني أو قومي وزر تلك الجرائم، إذ كان الشعب العراقي بأكمله ضحيةً لذلك النظام.

ومن منظور الدولة الحديثة، فإن إحقاق العدالة والمساءلة القضائية يمثلان ركيزة أساسية من ركائز السيادة الوطنية، إذ لا سيادة حقيقية من دون قضاء مستقل ودولة قانون قادرة على محاسبة أعلى المسؤولين فيها. وفي هذا الإطار، شكّل مسار العدالة أحد العوامل التي أسهمت في ترسيخ استقلال القرار الوطني، ومهّدت لاحقًا لاستعادة السيادة الوطنية الكاملة عام 2011، مع انسحاب آخر جندي أجنبي من الأراضي العراقية، وفق اتفاق قانوني منظّم ينسجم مع مبادئ القانون الدولي.

إن هذين الحدثين – يوم العدالة ويوم السيادة – يؤكدان أن بناء الدول الخارجة من الاستبداد والنزاعات لا يتحقق إلا عبر مسارات متكاملة تقوم على المساءلة، والاعتراف بالضحايا، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، وبناء مؤسسات تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامة المواطن.

وفي هذه المرحلة، يتطلع العراقيون إلى نظام حكم يقوم على المواطنة المتساوية، واستقلال القضاء، وحماية الحقوق والحريات، ورفض كل أشكال الاستبداد أو الإفلات من العقاب، إيمانًا بأن مستقبل العراق لا يُبنى إلا على أسس العدالة وسيادة القانون.

المجد والرحمة لشهداء الاستبداد والديكتاتورية.
العدالة لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
والأمل بعراقٍ يحكمه القانون وتحميه العدالة.

الدكتور وليد الحلي
الأمين العام – مؤسسة حقوق الإنسان
31/12/2025
اليوم, 11:33
عودة