بعد أوهام النفوذ الإقليمي .. احترقت أصابع المتدخلين
"Today News":
????لم يعد السؤال اليوم: لماذا تمدّ الدول الغنية أصابعها في دول مأزومة؟
بل أصبح السؤال الأكثر إلحاحًا: ماذا بقي لها بعد أن مدّتها؟
بعد أكثر من عقد على موجة التدخلات الإقليمية في الشرق الأوسط، تتكشّف الحصيلة بوضوح غير مسبوق: لا نفوذ مستقر، لا حسم سياسي، ولا عائد استراتيجي يوازي الكلفة. وحدها الخسائر تراكمت، فيما تبددت أوهام “التمدد الذكي” و”القيادة الإقليمية”.
???? من الاندفاع إلى التراجع الصامت
تشير التطورات الأخيرة إلى تحوّل لافت في سلوك عدد من الدول التي تصدّرت مشاريع التدخل:
☆في اليمن، لم يعد الحديث عن نصر أو حسم، بل عن إدارة انسحاب هادئ من حرب أثبتت أن القوة الجوية والمال لا يصنعان دولة ولا يهزمان مجتمعًا.
☆في السودان، انكشف فشل الرهان على الميليشيات، وتحولت البلاد إلى ساحة صراع مفتوح يهدد بتفكك طويل الأمد، مع عجز واضح لأي طرف خارجي عن ضبط المسار.
☆في سوريا، تراجعت لغة التغيير الجذري لصالح سياسة الأمر الواقع، بعد أن استُنزفت أدوات النفوذ وتآكلت أوراق الضغط.
☆في لبنان، أفضت التدخلات المتراكمة إلى دولة مشلولة، بلا سيادة فعلية ولا قدرة على النهوض.
أما التقارب السعودي –الإيراني، فكان اعترافًا غير مباشر بأن الصراع المفتوح مكلف، وأن إدارة الخلاف أقل كلفة من استدامته.
هذه التحولات لا تعكس صحوة أخلاقية، بل إدراكًا متأخرًا بأن التوسع الإقليمي بلا سقف سياسي يتحول إلى عبء استراتيجي.
???? صراعات في معسكر المتدخلين:
لم تقتصر نتائج التدخلات الإقليمية على إنهاك الدول المستهدفة فحسب، بل بدأت ارتداداتها تظهر داخل معسكر الدول المتدخلة نفسها، في صورة صراعات نفوذ، وتناقض أجندات، وتنافس خفي خرج في بعض الساحات إلى العلن.
????الكيان الصهيوني وبوابة القرن الإفريقي
في تطور بالغ الخطورة، برزت محاولة الكيان الصهيوني إيجاد موطئ قدم عسكري في إقليم أرض الصومال الانفصالي، عبر تفاهمات أمنية تهدف إلى:
■تطويق اليمن من خاصرته الإفريقية،
■استخدام القواعد العسكرية لمواجهة صنعاء،
■و التعامل مع تهديد قطع خطوط الملاحة وسفن الكيان في باب المندب.
و قد أدانت جميع الدول العربية تقريبًا هذه الخطوة بوصفها خرقًا للسيادة الصومالية وتهديدًا للأمن القومي العربي، باستثناء الصمت الإماراتي الذي أثار تساؤلات واسعة حول تداخل الأجندات الإقليمية وتقاطعاتها غير المعلنة.
???? اليمن: من تحالف الضرورة إلى صراع الوكالة
في اليمن، لم يعد الخلاف السعودي- الإماراتي خلافًا مكتومًا.فقد تحوّل الجنوب إلى ساحة صراع نفوذ مباشر عبر الميليشيات المحلية، بلغ ذروته حين اندلع قتال بين فصائل مدعومة من الطرفين، و تعرّضت سفينتان تنقلان أسلحة ثقيلة (دبابات ومدرعات) من ميناء الشارقة إلى المكلا لقصف جوي سعودي،وذلك عقب بيان رسمي صادر عن الخارجية السعودية يطالب بانسحاب القوات الإماراتية من اليمن خلال 24 ساعة،استجابة لطلب المجلس الرئاسي الموالي للرياض.
هذه التطورات كشفت بوضوح أن التحالف لم يعد قائمًا على رؤية مشتركة، بل على إدارة تناقضات مؤجلة انفجرت ميدانيًا.
????من صراع بالوكالة إلى مواجهة مباشرة؟
الأخطر من ذلك، أن استمرار هذا المسار قد يدفع النزاع من صراع بين ميليشيات محلية،إلى مواجهة عسكرية مباشرة – ولو محدودة – بين جيشي الدولتين،و هو سيناريو كان يُعدّ مستبعدًا قبل سنوات، لكنه بات اليوم احتمالًا واقعيًا في ظل تآكل الثقة وتضارب المصالح.
???? كلفة لم تُحسب جيدًا
ما لم يُقل صراحة في أدبيات هذه السياسات، أن التدخل الخارجي لا يستنزف المال فقط، بل:
■يبدّد السمعة الدولية،
■يخلق عداوات مجتمعية طويلة الأمد،
■ويزرع ألغامًا أمنية قد ترتدّ على الداخل.
لقد اكتشفت دول كثيرة أن شراء الولاءات أسهل من الحفاظ عليها، وأن الميليشيات لا تبني نفوذًا دائمًا، بل تخلق فوضى يصعب التحكم بها.
???? من وهم القيادة إلى واقع الاستنزاف
ما يجري اليوم يثبت أن النفوذ الذي لا يستند إلى:
■شرعية داخلية،
■احترام سيادة الآخرين،
■ومشروع تنموي حقيقي،
هو نفوذ مؤقت، هش، وسريع التآكل.
وهنا تعود المقارنة التاريخية التي لا تحبها الأنظمة:
التشابه مع تجربة صدام حسين لا يكمن في الخطاب، بل في النتيجة.الاختلاف في الأدوات، نعم، لكن الجوهر واحد:
الاعتقاد بأن المال والسلاح قادران على تعويض غياب الحكمة.
???? صدام… ليس استثناءً بل نموذجًا متكررًا
إن استحضار تجربة صدام حسين لا يندرج في باب التشبيه الخطابي، بل في التحليل البنيوي للمآلات.
فالتدخل العسكري لصدام في الكويت:
لم يؤدِّ إلى تعزيز النفوذ،
بل فجّر ثورةشعبية داخلية،و استجلب تدخلًا عسكريًا خارجيًا واسعًا، انتهى بخسائر بشرية واقتصادية كارثية،و اضطر صدام بعدها إلى الانسحاب مذلولًا ودفع أثمان باهظة.
وما يجري اليوم في: اليمن، سوريا، ليبيا، السودان، ولبنان يحمل المؤشرات ذاتها:
■إنهاك طويل،
■بيئات عدائية،
■وتدخلات خارجية متزايدة.
وسيضطر المتدخلون، عاجلًا أم آجلًا، إلى:
دفع كلفة أخلاقية وسياسية واقتصادية عالية،ثم الانسحاب دون مكاسب حقيقية، كما فعل صدام حسين، ولكن بصيغ حديثة و أدوات مختلفة.
???? النفوذ الحقيقي… مرة أخرى
بعد كل هذه التجارب، يبدو الدرس أوضح من أي وقت مضى:
النفوذ لا يُفرض بالقوة،ولا يُشترى بالميليشيات،ولا يُصان بإدامة الحروب.
????النفوذ الحقيقي يُبنى بـ:
■دولة قوية من الداخل،
■اقتصاد منتج،
■سياسة خارجية قائمة على الوساطة لا التحريض،
■واحترام الدول لا اختراقهالتمزيقها.
???? خاتمة:
مراجعة لا تحتمل التأجيل
لم تعد المراجعة خيارًا، بل ضرورة.
فالتاريخ في هذه المنطقة لا يرحم من يكرر الأخطاء بأسماء جديدة.
إن الاستمرار في مدّ الأصابع في دول مأزومة لن ينتج إلا مزيدًا من الحرائق،
وقد آن الأوان للاعتراف بأن من أراد التأثير في الإقليم، فليبدأ بإعماره لا بتمزيقه.
إن ثمرة التدخلات العسكرية في البلدان الأخرى هي صفر بل وخيبة وندم؛
[وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43)[سورةالكهف].
د. رعد هادي جبارة
باحث في العلاقات الدولية ودبلوماسي سابق
28-12-2025, 22:33 23 ألف طبيب أسنان عاطلون عن العمل في العراق
اليوم, 14:17 بعد أوهام النفوذ الإقليمي .. احترقت أصابع المتدخلين
د.رعدهادي جبارةاليوم, 11:33 إعدام الطاغية .. إحقاق للعدالة وترسيخ للسيادة الوطنية
د. وليد الحلي29-12-2025, 16:57 أوهام النفوذ الإقليمي .. لماذا تمدون اصابعكم في دول أخرى؟!
د.رعدهادي جبارة29-12-2025, 13:44 نحو تفعيل رأس المال الاجتماعي في العراق
إبراهيم العبادي