مشروع الإصلاح الواعي في زمن الحصار للإمام علي الهادي (ع)
"Today News": بغداد
في الثالث من رجب، تحلّ ذكرى شهادة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، ذلك الإمام الذي واجه أقسى أشكال العزل والتضييق، فحوّل الحصار إلى منبر ناطق بالوعي، والإقامة الجبرية في سامراء إلى مدرسة عالمية للإصلاح الهادئ العميق.
قاد الأمة أكثر من أربعة وثلاثين عامًا بثباتٍ وصبر، في زمنٍ كانت فيه السلطة ترى في الكلمة الحرة خطرًا داهمًا، وفي الإمام صوتًا لا يُسكت، وضميرًا لا يُشترى.
أولًا: العلم مسؤولية ورسالة
رسّخ الإمام الهادي (ع) مبدأً أخلاقيًا عميقًا في العلاقة بين العالم والمتعلّم، مؤكدًا على أن العلم ليس تكديس معرفة ولا وجاهة اجتماعية، بل عهدٌ ومسؤولية مشتركة، وموقفٌ أخلاقي قبل أن يكون خطابًا،
إذ يقول:
«العالم والمتعلّم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش».
فالعلم عنده أداة لبناء الإنسان الواعي، وحصنٌ منيع يحمي المجتمع من التضليل، ويصون الدين من التحريف والانحراف.
ثانيًا: حكمة التنظيم في مواجهة القمع
وعلى الرغم من الرقابة المشددة وسياج الخوف المفروض، أدار الإمام (ع) واحدة من أوسع شبكات الوكلاء من العلماء والفقهاء، عملت بهدوء وفاعلية وثبات. فقد أدرك أن الإصلاح الحقيقي لا يولد من الصدام الظاهر، بل من بناء مؤسسات راسخة، تحفظ الدين، وتثبّت الحق، وتواجه الانحراف بعيدًا عن مزالق السلطة وصراعات المصالح وضجيج اللحظة.
ثالثًا: التصدي للغلو والبدع
وقف الإمام الهادي (ع) سدًا منيعًا بوجه التطرف والانحراف الفكري، مستندًا إلى علمٍ راسخ، ونزاهةٍ مطلقة، وبصيرةٍ نافذة. وكان يؤكد أن أخطر الانحرافات لا تبدأ من الفكرة وحدها، بل من سقوط الإنسان أخلاقيًا، كما في قوله:
«من هانت عليه نفسه، فلا تأمن شره».
رابعًا: ميزان الكرامة الإنسانية
وفي زمنٍ تُقاس فيه القيم بالمظاهر، وتُختزل فيه الكرامة بما يُملك لا بما يُعمل، أعاد الإمام (ع) توجيه البوصلة نحو الجوهر الحقيقي للإنسان:
«النَّاسُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَمْوَالِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْأَعْمَالِ».
إنها دعوة صريحة للارتقاء بالنفس، وتحريرها من وهم البريق الزائل، وربط القيمة بالعمل الصالح والصدق مع الله.
خامسًا: قبسات من حكمته الخالدة
▪ «الحِلم أن تملك نفسك، وتكظم غيظك مع القدرة عليه».
▪ «من أطاع الخالق، لم يبالِ بسخط المخلوق».
▪ «أورع الناس من وقف عند الشبهة».
سلامٌ على الإمام علي الهادي (عليه السلام) يوم وُلد نورًا، ويوم استُشهد مظلومًا صابرًا، ويوم يُبعث حيًا شاهدًا.
سلامٌ على إمامٍ صاغ الوعي، وثبّت الحق، وبقي منارةً للإصلاح في أحلك الظروف، ودليلًا على أن الحصار لا يهزم الرسالات.
وليد الحلي
3 رجب 1447
24-12-2025
اليوم, 21:24 مشروع الإصلاح الواعي في زمن الحصار للإمام علي الهادي (ع)
د. وليد الحليأمس, 13:08 الصين والملف الإيراني .. توازن إقليمي واختبار دولي
د.رعدهادي جبارةأمس, 10:25 في رحاب الامام باقر علم النبيّين ورائد الحوار والإصلاح
د. وليد الحلي22-12-2025, 13:54 استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.. كيف قرأناها؟
إبراهيم العبادي