في رحاب الامام باقر علم النبيّين ورائد الحوار والإصلاح
"Today News": بغداد
بمناسبة ذكرى ولادة الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، في اليوم الأول من شهر رجب سنة 57 هـ الموافق 13 أيار 677م، نتقدّم بأسمى آيات التهاني، مستحضرين سيرة إمامٍ شكّل نقطة تحوّل كبرى في تاريخ الوعي الإسلامي، ونورًا إلهيًا انبثق ليبدّد ظلمات الجهل، ويؤسس لنهضة علمية وفكرية وأخلاقية ما زالت آثارها حاضرة في حياة الأمة.
اولا: رسالة العلم… أساس النهضة وبوابة الإصلاح
جسّد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) النموذج الأكمل للعلم الرسالي المرتبط بالعمل والمسؤولية. لم يكن العلم عنده حشدًا للمعلومات أو مجالًا للمباهاة، بل عبادة تقود إلى تزكية النفس وبناء المجتمع. وقد لخّص هذه الرؤية بقوله المضيء:
«تعلّموا العلم، فإن تعلّمه حسنة، وطلبه عبادة».
ومن هذا المنطلق، أسّس الإمام مدرسة علمية عميقة خرّجت كبار العلماء، وواجه مشاريع التضليل والانحراف بسلاح الوعي والبصيرة، مؤكدًا أن السلوك القويم هو المعيار الحقيقي لمعرفة الحق من الباطل، لا الشعارات ولا الادعاءات الزائفة.
ثانيا: الحوار البنّاء… طريق الوحدة ولمّ الشمل
في عصرٍ كثرت فيه الانقسامات والصراعات السياسية والفكرية، برز الإمام الباقر (ع) رائدًا للحوار الهادف، ومدافعًا عن وحدة الأمة عبر الكلمة الهادئة والحجة الرصينة. لم يكن الحوار عنده وسيلة للغلبة أو الإقصاء، بل جسرًا للتفاهم وبناء الثقة، وقد حذّر من الخصومات العقيمة التي تفسد القلوب وتُضعف الإيمان، قائلاً:
«إيّاك والخصومات، فإنّها تورث الشكّ، وتُحبط العمل، وتُردي صاحبها».
لقد أدرك الإمام أن الأمة لا تُبنى بالصراع، بل بالتكامل واحترام الرأي الآخر ضمن إطار الحق.
ثالثا: أخلاقيات الحوار في مدرسة الإمام الباقر (ع)
وضع الإمام أسسًا أخلاقية للحوار الناجح، ما تزال صالحة لكل زمان، ومن أبرزها:
•الإنصات الواعي: الاستماع باحترام دون استعلاء أو تسفيه.
•الموضوعية: مناقشة الأفكار بعيدًا عن الشخصنة والانفعال.
•الهدوء واللباقة: اعتماد لغة راقية تبتعد عن التشنج والعداء.
•الإنصاف: الاعتراف بالحق متى ظهر، وهي علامة نضج فكري وأخلاقي.
بهذه القيم، تحوّل الحوار في مدرسة الإمام إلى أداة إصلاح لا وسيلة هدم.
رابعا: التكافل الاجتماعي وبناء الإنسان
لم يفصل الإمام الباقر (ع) بين العلم والسلوك الاجتماعي، بل شدّد على أن الإيمان الحقيقي ينعكس رحمةً وعدلًا في المجتمع. وقد رفض استغلال الدين للتسلّط أو الترف، ودعا إلى مجتمع متكافل يقوم على التعاون والتراحم، قائلاً:
«ليُعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيّكم على فقيركم».
كما أولى أهمية كبرى لصلة الأرحام وتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، لما لها من دور في تزكية الأعمال، وتقوية النسيج الاجتماعي، وإطالة الأعمار بالمعنى الروحي والأخلاقي.
خامسا؛ الموقف الرسالي والمظلومية
لم يكن الإمام الباقر (عليه السلام) عالمًا منعزلًا عن هموم الأمة، بل كان صاحب موقف شجاع، لا يساير باطلًا ولا يهادن ظلمًا. وقد شكّل حضوره العلمي والوعي المتنامي خطرًا حقيقيًا على سلطة بني أمية.
سادسا: : إرثٌ متجدّد يخشاه الطغاة
إن إحياء ذكرى الإمام محمد الباقر (عليه السلام) ليس استذكارًا تاريخيًا فحسب، بل هو دعوة متجددة لإحياء ثقافة العلم المسؤول، والحوار البنّاء، والإصلاح الهادئ العميق. فقد أثبتت سيرته أن الكلمة الواعية والحجة الصادقة هما أقوى ما يواجه به الطغيان، لأنهما تجمعان القلوب على الحق والعدل.
ومن درر حكمه (عليه السلام):
•«ما شيب شيء بشيء أحسن من حلمٍ بعلم».
•«صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر بملء مكيال: ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل» حيث يدعو الامام الباقر (ع) إلى التوازن في التعامل الاجتماعي: الفطنة (الذكاء والوعي) تشكل ثلثي التعامل، بينما التغافل (تجاهل بعض الأخطاء أو العيوب) يشكل الثلث المتبقي؛ لإصلاح شأن الناس وتحقيق التعايش السليم، لأن العاقل يدرك الأمور ولكنه يتغافل عن بعضها لدوام المودة والحفاظ على السلام، وهذا هو جوهر الحكمة العملية للحياة
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاقتداء بسيرة الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وأن يجعلنا من السائرين على نهجه في نشر العلم، وترسيخ العدل، وبناء مجتمعٍ واعٍ متراحم.
وليد الحلي
23-12-2025
اليوم, 10:25 في رحاب الامام باقر علم النبيّين ورائد الحوار والإصلاح
د. وليد الحليأمس, 13:54 استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.. كيف قرأناها؟
إبراهيم العبادي18-12-2025, 21:06 عندما يُهان القرآن ويغيب صوت الأزهر!!
د.رعدهادي جبارة17-12-2025, 11:12 إهانة القرآن انحدار أخلاقي فما موقف البيت الأبيض؟
د.رعدهادي جبارة