إيران ولبنان… العلاقات التي لا تُلغِيها أزمة عابرة
"Today News":
كيف تجاهلت الدبلوماسية الراهنة تاريخ دعم إيران للبنان وشعبه في أصعب المحطات؟!
????في زمنٍ تُدار فيه السياسة الخارجية بمنطق اللحظة وردّ الفعل والاصطفاف، تبدو الذاكرة الدبلوماسية اللبنانية وكأنها تخضع لاختبار قاسٍ، لا لقياس قدرتها على الفهم بقدر ما لقياس مدى استعدادها للتخلي عن التاريخ والوقائع عند أول منعطف سياسي. فالأزمة المستجدة في العلاقات بين لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما رافقها من امتناع عن إرسال أوراق اعتماد السفير الإيراني الجديد ، لا يمكن قراءتها كمسألة بروتوكولية عابرة أو خلاف إداري محدود. إنها، في جوهرها، تعبير عن تجاهل متعمّد أو غير مبالٍ لتاريخ طويل من الدعم والتضامن، وعن نزعة سياسية تحاول إعادة تموضع لبنان خارج سياقه الواقعي والتاريخي.
????منذ عقود، شكّلت إيران أحد أبرز الداعمين للبنان في أحلك الظروف، ليس من باب الاستثمار السياسي الضيّق فحسب، بل انطلاقًا من مقاربة تعتبر أن صمود لبنان هو جزء من صمود المنطقة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة والضغوط الدولية الخانقة. هذا الدعم لم يكن يومًا سرًا، ولم يقتصر على فئة أو طائفة أو حزب، بل شمل أبعادًا اقتصادية وإنسانية ومعنوية واضحة، شهد عليها اللبنانيون في الجنوب والبقاع والضاحية وبيروت، كما شهدت عليها المستشفيات والمؤسسات الإغاثية والقطاعات الحيوية.
????في كل عدوان إسرائيلي، كانت إيران من أوائل الدول التي أعلنت تضامنها السياسي الكامل مع لبنان، ومن الدول القليلة التي ربطت القول بالفعل.فقدمت تطوعاً مساعدات طبية عاجلة، وفتحت أبوابها لاستقبال الجرحى،وسارت لتقديم دعم لوجستي في مختلف المجالات، و اتخذت مواقف سياسية صريحة في المحافل الدولية. وفي كل أزمة اقتصادية خانقة، من شحّ المحروقات إلى أزمة الكهرباء والدواء، قُدّمت عروض إيرانية واضحة للمساعدة، سواء عبر تزويد لبنان بالمشتقات النفطية، أو عبر اتفاقات تعاون اقتصادي، أو من خلال مبادرات شعبية مباشرة لم تُخفَ ولم تُدار في الظل.
????أما في ما يتعلق بالجيش اللبناني، وهو المؤسسة التي يُجمع اللبنانيون على ضرورتها ودورها الوطني، فقد قدّمت طهران عبر السنوات عروضًا متكررة لتسليحه وتجهيزه، من دون شروط سياسية معلنة، وبهدف تعزيز قدرته على حماية السيادة اللبنانية. هذه العروض، التي قوبلت في معظم الأحيان بالتجاهل أو الرفض تحت عناوين «الحساسية الدولية» و«التوازنات الإقليمية»، لم تكن يومًا موجهة ضد الدولة اللبنانية، بل على العكس، كانت تصبّ في خانة تقوية مؤسساتها في وجه الأخطار الإسرائيلية المستمرة.
????وإذا كان البعض يحاول تصوير العلاقة بين إيران ولبنان على أنها علاقة محصورة بطائفة أو حزب، فإن الوقائع تنقض هذا الادعاء بوضوح. فقد أقامت إيران علاقات سياسية وثقافية ودينية مع مختلف مكونات المجتمع اللبناني: سنة وشيعة ودروزًا ومسيحيين. كما شارك علماء دين ومفكرون وأكاديميون لبنانيون من مختلف المذاهب في مؤتمرات علمائية وثقافية عُقدت في إيران، فيما استُقبلت وفود رسمية وشعبية لبنانية متنوعة، ما يعكس مقاربة منفتحة لا تختزل لبنان في لون واحد.
????دبلوماسيًا، لم تكن العلاقة يومًا هامشية أو ثانوية. ويكفي التذكير بأن السفير اللبناني السابق في طهران، عدنان منصور
[1995_2007]
تولّى لاحقًا حقيبة وزارة الخارجية و المغتربين
(2011_2014)
وهو ما يعكس في حد ذاته أهمية هذه السفارة ومكانة العلاقة مع إيران في مراحل سابقة من السياسة اللبنانية. فهل كانت تلك العلاقة حينها عبئًا على لبنان، أم كانت تُدار بعقل نير وذاكرة أطول وأسلوب حكيم؟
????وفي البعد الإنساني، لا يمكن تجاهل ما تعرّض له السفير الإيراني السابق في بيروت، مجتبى أماني، الذي أُصيب خلال تفجيرات أجهزة الاتصال، وتلقى العلاج في إيران قبل أن يعود إلى لبنان رغم إصابته البالغة في يديه وعينيه. هذه الحادثة، بغضّ النظر عن تفاصيلها، تختصر معنى الحضور الإيراني في لبنان: وجود في قلب المخاطر، لا في هامش البيانات.
????إن ما يثير القلق اليوم ليس مجرد فتور دبلوماسي عابر، بل الخطاب الذي يرافقه، والذي يكشف بوضوح أن بعض المسؤولين اللبنانيين يتعاملون مع العلاقات الدولية كملف داخلي قابل للمزايدة السياسية الرخيصة!! أو كورقة اعتماد خارجية تُقدَّم لهذا الطرف أو ذاك!! ولو كان الثمن تشويه تاريخ كامل من العلاقات والتضحيات. وزير الخارجيةيوسف رجي [أيًّا يكن اسمه أو موقعه] ليس مالكًا للتاريخ ولا وصيًّا على ذاكرة اللبنانيين. هو موظف سياسي في مرحلة محدودة، يذهب وتبقى الوقائع.
????لقد تغيّر وزراء كُثُر، و تبدّلت حكومات، و سقطت رهانات، لكن ما بقي ثابتًا هو أن العلاقات بين الشعوب لا تُدار بالقطيعة، ولا تُمحى بقرار إداري أو مزاج سياسي عابر. إيران ستبقى دولة إقليمية مؤثرة، ولبنان سيبقى بحاجة إلى أصدقاء حقيقيين لا يتركونه في زمن الحصار والعدوان.
????في المحصلة:
قد ينجح البعض في تجميد علاقة، أو تأخير اعتماد سفير، أو إرسال إشارات سلبية هنا و هناك، وقد يظنّون أن ذلك يُرضي عواصم القرار أو يفتح أبواب الرضى الخارجي، لكنهم لن يستطيعوا محو ذاكرة شعب مضطهد يعاني ولكنه يعرف جيدًا من وقف معه حين تُرك وحيدًا، ومن تخلّى عنه عند أول اختبار. فالأشخاص زائلون، والمناصب مؤقتة، أما العلاقات التي تُبنى في زمن الشدّة، فهي وحدها التي تصمد.
????للتأكيد:
الوزراء عابرون… والعلاقات بين الشعوب باقية.
هذا المقال يعبّر عن رأيي، ويضع الوقائع أمام الرأي العام بعيدًا عن حسابات اللحظة وتقلبات السياسة، دفاعًا عن ذاكرة بلد مظلوم صامد لا يملك ترف النسيان ولا يسعه التخلي بسهولة عن أذرع الأصدقاء و الإخوان.
د.رعدهادي جبارة
الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي السابق
13-12-2025, 17:01 حفر كويتي قرب أم قصر وسفوان .. مجلس البصرة يدعو الحكومة لتدخل عاجل
12-12-2025, 14:45 بحيرة حمرين تنتعش والطيور المهاجرة تعود إليها
اليوم, 14:26 إيران ولبنان… العلاقات التي لا تُلغِيها أزمة عابرة
د.رعدهادي جبارةاليوم, 10:04 رئاسة الوزراء العراقية… مأزق النظام السياسي
إبراهيم العبادي10-12-2025, 14:00 في الذكرى السنوية الثامنة للانتصار على الإرهاب الداعشي واليوم العالمي لحقوق الإنسان
د. وليد الحلي8-12-2025, 11:30 الجمود الفكري والسياسي محاولة للفهم
ابراهيم العبادي