• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

هل شارك الشيعة في قتل الحسين؟

هل شارك الشيعة في قتل الحسين؟

  • أمس, 20:10
  • مقالات
  • 28 مشاهدة
د. علي المؤمن

"Today News": متابعة 


    قادت واقعة «السقيفة» (11 ه) تلقائياً إلى نشوء نظامين متوازيين:

   1- نظام سياسي رسمي يقف على رأسه الخليفة الأول أبي بكر، يمكن تسميته بـ «النظام السنّي»، أي نظام سنّة الخلفاء، وهو نظام سياسي تكوّنت في إطاره فرق ومذاهب كلامية وفقهية، عرفت بالفرق والمذاهب السنية. وهذا يعني أن القاعدة التي تأسس عليها «نظام الخلافة» كانت قاعدة سياسية تقوم على تكييف بشري.

   2- نظام اجتماعي ديني يتصدّره الإمام على بن أبي طالب، مادته مجتمع شيعة علي أو المجتمع الديني الموالي له، وعرف بـ «الشيعة». وقد تأسس هذا النظام على قاعدة دينية تستند إلى نصوص شرعية، وكان عنوانه العقيدي: «نظام الإمامة».

   وتوسّع «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، أفقياً وعمودياً خلال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وخاصةً في عهد عثمان، وأصبح له حضور فاعل في أرجاء الدولة الإسلامية، من مصر إلى إيران. ولذلك، فإن الإمام علي عندما تولى الخلافة الزمنية، كان يمتلك تياراً نخبوياً وشعبياً من العقائديين المؤمنين بإمامته ووصايته.

   حينها؛ حصل اندماج ميداني ظاهري بين النظامين المذكورين: النظام الاجتماعي العقدي الشيعي  الذي تأسس على مفهوم الإمامة المنصوص عليها من جهة، وجهاز الدولة الرسمي الذي انتقل للإمام علي بعد الخليفة عثمان من جهة أخرى، وهو الجهاز الذي كان يضم غالبية القادة العسكريين والسياسيين والإداريين، من الصحابة والتابعين، الذين خدموا في أجهزة الدولة في عهود الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان قبله.

   أي أن ثنائية النظامين استمرت حتى في زمن خلافة الإمام علي، رغم اندماجهما ميدانياً، بعد التحاق أغلب الصحابة والتابعين بالإمام علي، لأن التحاقهم به لم يكن بوصفه الوصي المنصوص عليه من قبل رسول الله، كما يعتقد الشيعة، وإنما بوصفه الخليفة الرابع. إذ كان يرى هؤلاء أن الشرعية تتمثل في الخليفة الحاكم حصراً، أيا كان، بغض النظر عن شرعيته والطريقة التي وصل بها إلى الخلافة وسلوكه الشخصي أو سلوكه في الحكم.
 
   وقد استشهد كثير من هؤلاء في حروب الجمل وصفين والنهروان، وهم يقاتلون إلى جانب الإمام علي. وكانوا يمارسون دورهم الوظيفي في جيش الخلافة وفي إطار النظام السياسي للدولة وليس ضمن الاجتماع الديني الشيعي، أي أنهم كانوا على عقيدة «سنة الخلفاء» وليسوا من «شيعة علي»، فلم تكن علاقتهم بالإمام علي دينية ــ عقدية، وإنما سياسية ـ إدارية، أشبه بعلاقة الموظف برئيسه في العمل أو المواطن برئيس الدولة.

   وقد صمدت المنظومة العقائدية الشيعية مع الإمام علي، ثم مع ابنه الإمام الحسن، واستمرت لصيقة بالإمام الحسين. في حين تفكك جهاز الدولة بعد انتهاء خلافة الإمام الحسن، وتوزع بين سلطات معاوية ومن بعده يزيد، وعبد الله بن الزبير والمختار الثقفي. وقد أدى اختطاف بني أُمية للدولة، إلى انفصال كامل ــ مرة أخرى ــ بين النظام السياسي للدولة والنظام الاجتماعي الديني الشيعي، بعد اندماج مؤقت حصل خلال خلافة الإمام علي والإمام الحسن كما ذكرنا. ومنذ ذلك الحين، أصبح الفصل بين النظامين حاداً، واستمر إلى هذا اليوم.

   وبالتالي؛ ليس كل من اصطف مع الإمام علي حين أصبح خليفة أو قاتل واستشهد معه في معاركه الثلاثة، كان شيعياً، لأن التشيع ليس موقفاً سياسياً أو عاطفياً، وإنما هو موقف عقدي. وكذلك لم يكن كل من خدم في أجهزة الدولة خلال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هم على عقيدة النظام السني للدولة؛ فقد كان عدد من قادة الشيعة الأكثر قرباً إلى الإمام علي موظفين كبار في الدولة، كسلمان الفارسي والي المدائن، وعمار بن ياسر والي الكوفة، وعبد الله بن مسعود خازن بيت المال في إمارة الكوفة، وعبد الله بن عباس مستشار الخليفة، وغيرهم.

    ولذلك، من الطبيعي أن نرى أيضاً عدداً من القادة العسكريين والسياسيين المحترفين، الذين خدموا في أجهزة الدولة وجيشها خلال فترة خلافة الإمام علي، قد شاركوا لاحقاً في محاربة الإمام الحسن إلى جانب معاوية، ثم في قتل الإمام الحسين إلى جانب يزيد، مثل: شبث بن ربعي، حجار بن أبجر، عمرو بن الحجاج، محمد بن الأشعث، وقيس بن الأشعث.

   وأدى هذا الالتباس إلى وقوع بعض المؤرخين في خلط شديد، سواء عن قصد أو عن غفلة، حين وصفوا بعض من شارك من قتل الإمام الحسين بأنهم شيعة، لمجرد أنهم خدموا سابقاً في جيش الدولة خلال فترة خلافة الإمام علي. بينما الحقيقة أنهم لم يكونوا شيعة في الأصل، بل كانوا موظفين في الدولة.

   أما الكوفيون الذين كاتبوا الحسين ثم خذلوه، أو رحبوا بسفيره مسلم وتخلوا عنه، فكان أكثرهم على عقيدة سنة الخلفاء، وكانوا أصحاب طموحات سياسية، وسبق لهم العمل في أجهزة الدولة في كل مراحلها، ثم استطاع والي يزيد على الكوفة عبيد الله بن زياد استمالتهم إليه بسهولة. مع الإشارة إلى أن الكوفة حينها كانت تتقاسمها ثلاث شرائح أساسية: شيعة علي وسنة الخلفاء والخوارج. وكان الشيعة يشكلون حوالي ثلث سكان الكوفة.

   كما أن الذين تخلّفوا عن نصرة الإمام الحسين، ثم التحقوا بجيش التوابين أو جيش المختار، لم يكونوا جميعاً من الشيعة، بل كان بينهم من سنة الخلفاء، لكنه قاتل جيوش آل أمية من منطلق التعاطف مع الإمام الحسين، بسبب ما جرى عليه وعلى أهل بيته، لا على أساس الإيمان بإمامته ووصايته. بل إن بعض من التحق بمعسكر الإمام الحسين واستشهد معه، كالحر الرياحي وزهير بن القين، كانا أيضاً من كبار موظفي الدولة وقادة جيوشها، ولم يكونا قبل التحاقهما بالحسين شيعيين بالمعنى العقدي.

   وبالتالي؛ فإن الحديث عن قتل الشيعة للإمام الحسين، هو مغالطة تاريخية طائفية، هدفها تبرأة آل أمية، من دمه، بأسلوب متهافت، لأن الذي خطط وأمر وأشرف على قتله هو مثلث أموي أضلاعه: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وعبيد الله بن زياد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية.

   وحتى لو وُجد أفراد من الشيعة خذلوا الحسين أو شاركوا مع جيش يزيد في واقعة كربلاء؛ فإن ذلك لا يُعدّ شذوذاً في مسارات التاريخ؛ فلكل عصر ضعفاء نفوس، ومرجفون، وخونة، ومنقلبون، قلوبهم مع الحق وسيوفهم مع الباطل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

أخر الأخبار