• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

المالكي يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة وحرية التعبير

المالكي يُعيد تعريف العلاقة بين الدولة وحرية التعبير

  • اليوم, 13:17
  • مقالات
  • 60 مشاهدة
ناجي الغزي/كاتب وباحث سياسي

"Today News": بغداد 


في خضم الفوضى السياسية التي تَجتاح العراق، والاهتزاز العميق في ثقة المواطن بمؤسسات الدولة، يطل السيد نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، بخطاب استثنائي يتجاوز ضجيج المعارك الحزبية الآنية، ليعيد توجيه البوصلة نحو الثوابت الكبرى التي قامت عليها الدولة العراقية الحديثة: *الدستور، والمؤسسات، وحرية التعبير*.

في تغريدة  أطلقها المالكي،  وصفها مراقبون بأنها “وثيقة سياسية”، جاء فيها تحذيراً صريحاً من ظاهرتين تهددان البنية الدستورية والديمقراطية: الأولى: استغلال الأزمة السياسية لمهاجمة الإعلام الحر وفقاً لأهواء ومصالح ضيقة، والثانية: تقييد الإعلام المؤثر وحصره في زوايا ضيقة تخدم التلميع والتضليل، وتبعده عن جوهر المسؤولية الوطنية.

لكن ما يلفت في خطاب المالكي، ليس فقط لغته القانونية المحكمة، ولا نبرته التحذيرية الهادئة، بل موقفه الأخلاقي والسياسي في آنٍ معاً: رجل دولة سبق أن شغل أعلى المناصب، وكان في صلب لحظة بناء الدولة ما بعد 2003، لا يزال حتى اليوم متمسكاً بمرجعية الدستور، بل يُقدّم نفسه، من جديد، كوصيٍّ على ما تبقى من نظام ديمقراطي تتقاذفه الأمواج.

* حين يرتقي السياسي إلى مستوى الضمير*

من السهل على السياسيين في منطقتنا أن يستثمروا في خطاب القوة، أو أن ينزلقوا نحو الشعبوية، لكن المالكي في هذه التغريدة يختار مساراً أكثر مشقة وأشد تكلفة: الدفاع عن حرية الإعلام، وعن الحق في النقد والمساءلة، حتى حين يكون ذلك في غير صالح السلطة القائمة.
لقد خبر المالكي خلال سنوات حكمه، تعقيدات العلاقة مع الإعلام، وواجه حملات مركّبة وممنهجة، كثير منها كان مضللاً وموجّهاً من الداخل والخارج في آنٍ معاً. ومع ذلك، لم يُسجَّل في عهده أي تقييد ممنهج لحرية الصحافة أو تكميم للأفواه. بل كانت وسائل الإعلام – على اختلاف توجهاتها – تمارس عملها في بيئة مفتوحة نسبياً. ومع ذلك، فإن خطابه اليوم لا يحمل نزعة انتقامية، ولا نبرة تبريرية، بل يؤسس لمنظور ناضج يعتبر الإعلام الحُر شريكاً لا خصماً، وركناً من أركان بناء الدولة، لا عامل هدم لها.

*إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والإعلام*

حين يُحذّر المالكي من عسكرة الإعلام أو إخضاعه لتأثير الأجهزة الأمنية، فإنه لا يُلقي الكلام جزافاً، بل يشير بدقة إلى مسارات خطيرة تشهدها البيئة السياسية العراقية اليوم: حيث تُلاحق الأصوات، وتُجفف منابع النقد، ويُختزل الإعلام إلى منصّات تلميع وتهريج.
وفي المقابل، فإن نداء المالكي لا يأتي فقط لحماية الصحفيين، بل لحماية النظام نفسه من الانهيار، إذ يقول بوضوح إن تكميم الأفواه لن يؤدي إلى الاستقرار، بل إلى تفاقم الأزمات وتهديد السلم المجتمعي.

*الدولة بحاجة إلى صوت يعيد التوازن*

لقد تراجعت هيبة المؤسسة التشريعية، وتعثرت خطوات السلطة التنفيذية، فيما باتت المؤسسة القضائية تقف أحياناً على مسافة رمادية من ملفات جوهرية. في هذا الفراغ، ينهض المالكي بخطاب يُعيد الاعتبار للدستور كمرجعية، وللمؤسسات كأدوات ضبط لا أدوات صمت، ولحرية الإعلام كركن في الدولة، لا رفاهاً زائفاً.

هذه الرؤية ليست نظرية. إنها مشروع سياسي متكامل، ينبع من قراءة عميقة للمشهد العراقي، ومن إيمان حقيقي بأن الحلول لا تُصنع في دهاليز الصفقات، بل في وضوح المبادئ وثبات المواقف.

*الحارس الأخير للنظام الدستوري*

ليست هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها المالكي لوضع حدٍّ لانجرافات الدولة. لقد كان له دور حاسم في لحظات كثيرة، سواء في مواجهة الإرهاب، أو في بناء المؤسسات، أو في الدفاع عن وحدة العراق. واليوم، يضيف إلى سجله السياسي دوراً جديداً: حارساً للدستور، ومدافعاً عن الكلمة، ورقيباً على المسارات الديمقراطية.

إن حديث المالكي عن حرية الإعلام ليس ترفاً انتخابياً، بل إعادة ضبط للبوصلة الوطنية. وهو بهذا يُبرهن أن السياسة ليست دائماً فن الممكن فقط، بل أحياناً، كما في حالته، تصبح فن حماية المبادئ.

في النهاية، هذه التغريدة ليست مجرد منشور على منصة، بل إشارة إلى عودة رجل الدولة إلى واجهة النقاش العام، لا بوصفه متحدثاً عن الماضي، بل حاملاً لرؤية واضحة عن ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العراق. في زمن الارتباك والتشظي، تُصبح الأصوات التي تنطق بالعقلانية الدستورية ضرورة وطنية. والمالكي اليوم، بلا شك، يمثل إحدى تلك الضرورات الوطنية.

أخر الأخبار