• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

نار السويداء لا تبقى في الجبل .. بغداد وبيروت تراقبان من خلف الزجاج

نار السويداء لا تبقى في الجبل .. بغداد وبيروت تراقبان من خلف الزجاج

  • اليوم, 15:35
  • تقاير ومقابلات
  • 11 مشاهدة
"Today News": متابعة 


منذ أيام فقط. تحولت محافظة السويداء، المدينة الجبلية ذات الأغلبية الدرزية جنوب سوريا إلى بركان سياسي وأمني تتصاعد حممه نحو دول الجوار، في مشهد يعيد إلى الأذهان الأيام الأولى من الحرب الأهلية السورية، لكن هذه المرة بلون طائفي، وخرائط اشتباك تتغير يومياً، وتدخلات إقليمية تكسر السرديات القديمة عن السيادة.

بدأ كل شيء، كما يُقال، من حادثة اختطاف. حادثة فردية على طريق فرعي وعر، لكنها لم تكن سوى شرارة في هشيم ممتد. ما تلاها كان أشبه بعاصفة: دخول قوات الأمن العام السوري ترافقها مجاميع عشائرية إلى قرى درزية، عمليات اقتحام، ومشاهد قاسية لمدنيين قضوا داخل منازلهم. الحكومة السورية قالت إنها تحاول فرض القانون، لكن روايات السكان ذهبت إلى مكان أبعد بكثير.

داخل السويداء، كانت لجين فهد، ناشطة حقوقية، توثق ما يجري. روايتها ليست عن جريمة جنائية أو شجار عشائري، بل عن حملة أمنية أخذت شكلاً انتقامياً. "البدو المنتسبون للأمن استدعوا تعزيزات ثقيلة من دمشق"، هكذا تصف فهد المرحلة الأولى.

وتضيف خلال حديثها ، "لكن هذه القوات لم تأتِ لحماية المدنيين، بل كانت بداية المجزرة". تقديراتها تشير إلى سقوط مئات من القتلى، معظمهم مدنيون، وسط عجز المستشفيات عن استيعاب الجرحى.


خيوط خارجية، وهدنة حذرة


لا أحد يرى ما يحدث في السويداء كحدث معزول. منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، فحكومة أحمد الشرع المؤقتة تبدو تقول إنها تعمل على فرض النظام على كامل الجغرافية، فيما تظهر جهات داخلية وخارجية تعمل لتثبيت واقع جديد.

لا يمكن فصل ما يجري في السويداء عن التموضع الجيوسياسي الأوسع. برور ميدي، الناشط السوري الذي واكب تحولات المشهد، يرى أن ما يحدث هو تأكيد على أن سوريا دخلت مرحلة ما بعد الدولة، حيث تُدار المحافظات والمناطق من قبل وكلاء محليين لإرادات إقليمية.

ومع هذه الانتقالة، يرى ميدي، أن "سوريا وصلت حالياً لمرحلة أخطر عنوانها تكريس واقع التقسيم بعد 14 عاماً من الحرب الأهلية، رغم الجهود الإقليمية والدولية لتجنب هذا الانزلاق، لكن يبدو أن تلك الجهود تعثرت في ظل واقع يفرض نفسه من خلال استلام سلطات لا تزال تمارس الحكم بعقلية الجماعة والفصائلية".

هناك من يتحدث صراحة عن مشروع إسرائيلي لإقامة منطقة عازلة تبدأ من جبل العرب وتمتد حتى شرق الفرات، مروراً بمناطق الكورد. هذا ما يُلمح إليه المحلل علي المعماري، الذي يرى أن الفوضى في السويداء ليست صدفة، بل مسار مدروس هدفه تثبيت حضور استخباراتي إسرائيلي عبر غطاء محلي درزي.

ويتفق مع هذا الطرح أيضاً المحلل السياسي الأردني، حازم عياد، بالقول إن "إسرائيل تحاول الضغط على الدولة السورية للقبول بشروطها التي تحاول أن تفرضها على طاولة المفاوضات بإنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا على امتداد منطقة السويداء وصولاً إلى القنيطرة ومروراً بدرعا".

ويوضح عياد ، أن "إسرائيل حاولت فرض هذه المعادلة عبر تحريك تمرد يقوده أحد زعماء السويداء حكمت الهجري، وعبر التدخل العسكري، لكن لم تنجح هذه المحاولة حتى الآن، لذلك من يتحمل مسؤولية الفوضى والتوتر العشائري والقِبلي هي إسرائيل، وكذلك من خلال إعاقتها للحكومة السورية في أداء دورها بضبط الأمن في السويداء".

في الأيام الماضية، بدا أن إسرائيل لم تكتفِ بدعم غير مباشر. حيث نفذت طائراتها ضربات استهدفت مواقع عسكرية في محيط العاصمة دمشق، بالتزامن مع اعتراض قوافل تابعة للأمن السوري كانت متجهة نحو الجنوب. هذه الضربات، التي نُفذت في وقت حساس، أرسلت إشارة واضحة مفادها أن اليد الإسرائيلية ليست بعيدة عن خطوط النار.

وسط هذا التصعيد، جاء المبعوث الأمريكي في سوريا بشكل مفاجئ ليعلن بعد منتصف الليل عن اتفاق تهدئة رعته جهات إقليمية كخطوة لاستيعاب الانفجار. وهو ما أيده الشرع وقادة الدروز، حيث تضمن الاتفاق ممرات إنسانية، إخراج العشائر من مناطق التماس، تسليم السلاح الثقيل، وانتشار نقاط مراقبة.

لكن في دوائر القرار، لا يُنظر إلى التفاهم كحل، بل كمرحلة انتقالية لواقع جديد، بخاصة في الجنوب، حيث تتقاسم فيه الجماعات المتصارعة النفوذ.

هذه التفاهمات مثلاً لا تشمل الجماعات الخارجة عن السيطرة، ولا تنص على ترتيبات سياسية طويلة الأمد. فحتى وإن انسحبت بعض القوى، فإن البنية التحتية للعنف لا تزال قائمة، وما جرى يُقرأ في أوساط سياسية كمرحلة تحضيرية أكثر وضوحاً، قد تمتد إلى خارج الجغرافية السورية.

العراق ولبنان في المرآة

السويداء كانت انعكاساً سريعاً لنقاشات يعرفها العراقيون واللبنانون جيداً. في بغداد وبيروت، لا يزال الجدل محتدماً حول مصير سلاح الفصائل المسلحة وحزب الله، الطرفان المقربان من طهران يرفضان بشدة هذا الطرح، لكنها أمام هواجس انتقال الصراع المحتدم إلى العمق.

سلام الجزائري، أحد قادة عصائب أهل الحق، يرى  في محاولة نزع سلاح الفصائل محاولة لتفكيك الدولة. ويذهب أبعد من ذلك ليقول إن الفصائل هي "العمود الفقري للأمن الوطني في ظل ضعف الجيش"، معرباً عن خشيته من أن تنزلق المدن العراقية إلى مصير مشابه للسويداء، في حال تم تفريغها من هذه القوة.

في المقابل، يتحدث السياسي الليبرالي مثال الآلوسي من زاوية مغايرة. يرى أن الأحداث في السويداء تمثل تحذيراً مبكراً للعراق. ويعتبر أن دعم بعض الجماعات العراقية لما يحدث في السويداء، وتحديداً ما تمارسه الحكومة السورية، يكشف عن تناقض أخلاقي: "هم يدينون قمع النظام، لكنهم يدعمونه حين يستهدف الدروز".

الآلوسي لا يتهم النظام فقط، بل يوجه سهام النقد إلى إيران، متهماً إياها بخلط المفاهيم في بغداد، وزرع تناقضات بين المواقف المعلنة والفعل السياسي. ويضيف أن المشهد بات معقداً مع ظهور معلومات عن مقاتلين قبليين لبنانيين وعراقيين يقاتلون إلى جانب قوات العشائر في سوريا.

حتى في لبنان، ارتدت الأزمة السورية قناعاً محلياً. إذ طغى القلق الأمني على مباراة كرة قدم جمعت نادياً محسوباً على الدروز بآخر سني، فكان القرار بإقامة المباراة دون جمهور. مشهد صغير يختصر قلقاً كبيراً.

لم تعد السويداء مجرد محافظة سورية مشتعلة. إنها اختصار مضغوط لما يحدث عندما تتقاتل الهويات الطائفية، وهو أمر اختبرته بيروت وبغداد بقسوة. المعارك قد تهدأ، وربما تُفرض تفاهمات هشة، لكن الجمر لا يزال تحت الرماد.

أخر الأخبار