• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

واشنطن في تصعيد خطير .. سيتم "تعقب ومواجهة ومحاسبة" كل جماعة مسلحة وداعميها في العراق

واشنطن في تصعيد خطير .. سيتم "تعقب ومواجهة ومحاسبة" كل جماعة مسلحة وداعميها في العراق

  • 27-11-2025, 18:51
  • تقاير ومقابلات
  • 52 مشاهدة
"Today News": متابعة 


لم يمرّ الهجوم الأخير على حقل كورمور الغازي في السليمانية بوصفه واقعة محدودة التأثير كما حدث في مرات سابقة، بل تحوّل سريعاً إلى ملف أوسع تُناقَش من خلاله طبيعة التهديدات الموجّهة إلى البنى التحتية للطاقة، وقدرة الدولة العراقية على إدارة مواجهة متزايدة التعقيد مع الجماعات المسلحة، ومستوى الانخراط الأمريكي في حماية المنشآت الحيوية داخل العراق. تكرار الهجمات خلال فترة قصيرة دفع إلى إعادة تقييم شامل للمشهد الأمني، سواء في بغداد أو أربيل أو واشنطن، في ظل مخاوف من أن يكون الاستهداف المتكرر مقدّمة لمرحلة أكثر حساسية في شمال العراق وجنوبه على حد سواء.

بدأت الوقائع عندما تعرّض الحقل مساء الأربعاء إلى هجوم بمسيّرات مجهولة، أدى إلى حرائق محدودة وتوقف شبه كامل لتدفق الغاز إلى محطات الكهرباء في إقليم كردستان. ورغم غياب الإصابات البشرية، إلا أن طبيعة الهجوم أثارت تساؤلات جدية حول الجهة المنفذة، والقدرة التقنية للمسيّرات المستخدمة، والمسار الذي سلكته للوصول إلى منشأة محمية من أكثر من جهة. التحقيقات الأولية لم تقدّم معلومات كافية، وهو ما دفع بغداد إلى التحرك بشكل عاجل على المستويين الأمني والفني.

اجتمع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع وزيري الدفاع والداخلية ورؤساء الأجهزة الأمنية في جلسة طارئة لمناقشة تفاصيل الهجوم، ووجّه بتشكيل لجنة تحقيقية عليا تضم وزارة الداخلية وجهاز المخابرات، إضافة إلى وزارة الداخلية في إقليم كردستان، وبمساندة واضحة من التحالف الدولي. هذا المستوى من التنسيق يعكس وجود تقدير رسمي بأن إمكانات التتبع المحلية لا تكفي لتحديد مصدر الهجوم بشكل دقيق، خصوصاً في ظل استخدام تقنيات طيران منخفض أو مسارات غير تقليدية للعبور نحو الحقل.

من جانبها، أعلنت وزارتي الموارد الطبيعية والكهرباء في الإقليم توقف تصدير الغاز نحو محطات التوليد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض فوري في كميات الإنتاج. وأكدت الوزارتان مباشرة التنسيق مع شركة "دانة غاز" لتقييم الأضرار واستعادة الضخ، لكن الانقطاع أعاد تسليط الضوء على هشاشة منظومة الطاقة في الإقليم واعتمادها الكبير على حقل واحد في ظل غياب بدائل تشغيلية.

تزامن ذلك مع موقف أمريكي واضح اتخذ منحى أكثر صراحة من السابق. فقد اتهم مبعوث الرئيس الأمريكي مارك سافايا جهات مسلحة “تعمل خارج القانون” بالوقوف وراء الهجوم، وربطها مباشرة بـ“أجندات أجنبية” وقال بالنص: "نفذت مجموعات مسلحة تعمل بشكل غير قانوني وتتحرك بأجندات خارجية معادية هجوما أمس على حقل خور مور للغاز. يجب على الحكومة العراقية تحديد المسؤولين عن هذا الاعتداء وتقديمهم للعدالة. وليكن واضحًا: لا مكان لمثل هذه الجماعات المسلحة في عراقٍ ذي سيادة كاملة. ستدعم الولايات المتحدة هذه الجهود دعمًا كاملًا. سيتم تعقب كل جماعة مسلحة غير شرعية وكل داعم لها، ومواجهتها، ومحاسبتها. تدعم الولايات المتحدة وجود كردستان قوية ضمن عراق موحد ومستقر. ونشجع بغداد وأربيل على تعميق تعاونهما الأمني والعمل بشكل وثيق لحماية البنية التحتية الحيوية للاقتصاد والطاقة. تؤكد الولايات المتحدة التزامها الراسخ بمساعدة حكومة العراق في تعزيز قدراتها الدفاعية وبناء قواتها الوطنية. معًا، سنواصل حماية موارد العراق، والدفاع عن سيادته، وضمان أمن ورفاهية جميع مواطنيه".

هذا التصريح يحمل دلالات سياسية وأمنية، إذ يشير إلى أن واشنطن باتت تتعامل مع ملف الهجمات على منشآت الطاقة كخطر مباشر على مصالحها، وليس فقط كتهديد داخلي للعراق. سافايا شدد على ضرورة محاسبة المتورطين، وأكد أن الولايات المتحدة ستقدّم دعماً كاملاً لأي جهود عراقية تهدف إلى كشف المنفذين.

التصريحات الأمريكية تتقاطع مع تقديرات عدد من الباحثين والخبراء الذين حذّروا من احتمال توسع الرد الدولي إذا استمرت الهجمات. الباحث ياسين عزيز اعتبر أن تكرار استهداف الحقول الحيوية قد يدفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ عمليات محدودة تستهدف قدرات الجماعات المسؤولة. وأشار إلى أن هذه الهجمات تشكل سابقة خطيرة بالنظر إلى حجم الاستثمارات في الحقل وقدرته الإنتاجية الكبيرة، إضافة إلى أنه يمثل أحد أهم مصادر الطاقة في الإقليم.

وفي السياق نفسه، يرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية علي الجبوري أن إشراك التحالف الدولي في التحقيقات يعكس وجود حاجة لتحليل بيانات الطيران والمسارات الجوية بشكل أكثر تقدماً. ويؤكد الجبوري أن المسيّرات المستخدمة تحمل مؤشرات على تقنيات متطورة ومديات تتجاوز حدود قدرات بعض الفصائل المحلية، وهو ما يجعل التحليل الفني ضرورياً للوصول إلى تحديد دقيق للجهة المسؤولة وموقع الإطلاق. كما يشير إلى أن التحالف يمتلك إمكانات رادارية واسعة ممتدة عبر العراق والمنطقة، ما يمكّنه من تتبع الحركة الجوية وتحليلها خلال فترة زمنية قصيرة.

هذا الهجوم يضع الحكومة الاتحادية أمام معادلة صعبة: فالحفاظ على استقرار قطاع الطاقة في الإقليم بات يرتبط مباشرة بقدرة بغداد على ردع الهجمات، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التوازن السياسي بين المكوّنات، خصوصاً مع توقعات بأن تقدّم حكومة الإقليم طلبات لتعزيز الحماية وربما الحصول على قدرات دفاع جوي إضافية. كما أن استمرار الهجمات قد يؤثر في ثقة الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة، ويعيد طرح سؤال قديم حول سلامة البيئة الاستثمارية في مناطق الشمال.

على المستوى الإقليمي، يأتي الهجوم في ظل حالة توتر متصاعد في أكثر من ساحة، من الخليج إلى سوريا، مروراً بتحركات جوية واسعة فوق العراق خلال الأيام الماضية. هذا السياق يجعل الهجوم على كورمور جزءاً من مشهد أكبر، يختبر فيه كل طرف حدود نفوذه وقدرته على الضغط، فيما يبقى العراق إحدى الساحات الأكثر حساسية نتيجة تعدد القوى المؤثرة داخله وخارجه.

النتائج النهائية للتحقيقات لم تصدر بعد، لكن المؤشرات الأولية توحي بأن المرحلة المقبلة ستشهد تشديداً أمنياً على منشآت الطاقة، وزيادة في مستوى التنسيق بين بغداد وأربيل والولايات المتحدة. أما السؤال الأكبر فهو ما إذا كانت هذه الهجمات تنذر بمرحلة جديدة من التصعيد، أم أنها ستنتهي عند حدود ضبط المتورطين. وحتى تتضح الصورة، يبقى حقل كورمور محوراً رئيسياً في معادلة الأمن والطاقة، وفي صلب أي نقاش حول مستقبل الاستقرار في شمال العراق.

أخر الأخبار