• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

مشروع الإمام السجاد (ع) .. إحياء الضمير بالمقاومة الناعمة

مشروع الإمام السجاد (ع) .. إحياء الضمير بالمقاومة الناعمة

  • اليوم, 14:43
  • مقالات
  • 29 مشاهدة
وليد الحلي

"Today News": بغداد 

سعى الإمام علي بن الحسين، الملقب بالسجاد وزين العابدين (عليه السلام)، إلى بناء الإنسان من الداخل، عبر إحياء ضميره وتوعيته وتربيته، وتعزيز إرادته ليواجه مشاعر الذنب والانكسار بروح الإصلاح بدلًا من اليأس. فقدّم مشروعًا يعلّم الإنسان كيف يستعيد شخصيته الرسالية، ويتحرر من أسر الخطأ والشعور الميت، ليولد فيه الضمير الحي، القادر على التمييز بين الحق والباطل، والمقاومة للظلم بالطهر والبصيرة، لا بالانتقام والضعف. إنها مقاومة ناعمة، لكنها عميقة الأثر في تأهيل إنسانٍ صالح ومجتمعٍ ناهض.

1- مدرسة الدعاء: وسيلة ناعمة لتربية الضمير من الداخل:
لم يستخدم الإمام السجاد السيف، بل ربّى القلوب والعقول بالدعاء، فكانت الصحيفة السجادية مشروعه الإصلاحي العميق. قال (عليه السلام):
“اللّهُمَّ وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ ما فَسَدَ مِنِّي”، “وَأصْلِحْني بِكَرَمِكَ”، “وَاجْعَلْ دُعَائِي كَدُعَاءِ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْكَ”…

فكان دعاؤه مدرسةً للتهذيب الذاتي، والتقويم الروحي، وتحذيرًا من الغرق في الماديات والغرائز. مُفعّلًا معاني الدعاء إلى الله كوسيلة ناعمة، تربوية، لإصلاح الضمير الإنساني وإعادة تأهيله، فنجح بذلك، وأصبحت مجالسه محجّة للعلماء والفقهاء، وتخرجت من هذه المدرسة قيادات علمائية وفكرية حملت العلم والمعرفة والوعي والإرشاد إلى الأمة بالصراط المستقيم.

ومن أدعية الصحيفة السجادية، دعاء مكارم الأخلاق، حيث يرفع الإنسان يده إلى ربه ليصلحه ويغير حاله إلى الطاعة والاستغفار:
“اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، وَرَوِّحْنِي بِرَوْحِ الْيَقِينِ بِكَ، وَأَيِّدْنِي بِتَأْيِيدِ أَهْلِ الْقُرْبِ مِنْكَ. وَاجْعَلْ دُعَائِي كَدُعَاءِ الْمُضْطَرِّينَ إِلَيْكَ، وَصَوْتِي كَصَوْتِ الْمَذْهَلِينَ لَدَيْكَ.”

2- فاجعة كربلاء: صدمة ضمير
المجزرة التي ارتكبها يزيد في كربلاء، من قتل الإمام الحسين (عليه السلام) وسبي أهل بيته الطاهرين، أهل بيت خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله)، زلزلت وجدان الأمة. لكنّ السلطة الأموية حاولت تشويه الحقيقة، فكان لا بدّ من مواجهة الزيف بإحياء الضمير، وهذا ما نهض به الإمام السجاد (عليه السلام).

3- خطبة الحق في عرش الطغيان
من مجلس يزيد في دمشق، أطلق الإمام السجاد (عليه السلام) صرخة الحق في وجه آلة الكذب:
“أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء…”.
ولمّا قاطعه المؤذّن بالأذان، التفت إلى يزيد متحديًا:
“محمدٌ هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإن زعمتَ أنه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمتَ أنه جدّي، فلِمَ قتلتَ عترته؟!”

بهذه الخطبة، زلزل الإمام أركان العرش الأموي، وأعاد الوعي إلى جماهير ضلّت، وفضح زيف الدولة التي ادعت تمثيل الإسلام.

4- خطته لإعادة تأهيل الأمة؛
أدرك الإمام أن الخلل لا يكمن في الحكام وحدهم، بل في استعداد الناس لتقبل الخداع، وسكوتهم عن الظلم. فوضع مشروعًا تربويًا شاملًا، يقوم على:
- إحياء الضمير قبل الثورة على السلطان.
- إصلاح النفس قبل التغيير المجتمعي.
- كشف زيف الإعلام الأموي بالدعاء والكلمة، لا بالدم فقط.

وقال (عليه السلام): “الخير كله صيانة الإنسان نفسه”.

5- من الاغتيال إلى الخلود:
خافت السلطة الأموية من هذه النهضة الرسالية والروحية، فاغتاله الوليد بن عبد الملك سنة 95 هـ بالسم، ودُفن في البقيع بالمدينة المنورة. لكنهم لم يستطيعوا قتل كلماته في دعائه وخطبه، فبقيت نبراسًا يضيء درب الأحرار، وعنوانًا لإصلاح الضمير الإنساني.

6- لا بكاء بلا وعي في رسالته المستمرة:

علّمنا الإمام السجاد (عليه السلام) أن البكاء على الحسين (عليه السلام) لا قيمة له إن لم يتحول إلى وعي، وموقف، ومشروع إصلاحي. ومن مدرسة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، نتعلم كيف يكون البكاء مقاومة، والدعاء ثورة، وإصلاح الضمير بوابة لبناء إنسانٍ حرّ، لا يُخدع، ولا يُباع.

سلامٌ على الإمام زين العابدين (عليه السلام)، يوم وُلد في 5 شعبان سنة 38 هـ، ويوم استُشهد مظلومًا في 25 محرم سنة 95 هـ، ويوم يُبعث حيًّا، حارسًا للضمير، ومرشدًا لطريق الإصلاح الحقيقي.

وليد الحلي
23 محرم الحرام  1447
19 تموز  2025

أخر الأخبار