"راتب مغري ومنزل بسيط"، كانت السبب بإلتحاق أكثر من 5 آلاف شاب عراقي للعمل بصفة مقاتل في روسيا وأوكرانيا منذ عام 2022، الأمر الذي جعلهم أمام خيارين: القتال في الخطوط الأمامية لنقاط الاشتباك في الحرب، أو الهرب عبر الغابات ومواجهة المجهول.
ومنذ أيلول/ سبتمبر 2024 إلى آب/ أغسطس 2025، استولت روسيا على أكثر من 6 آلاف كيلومتر مربّع، أي 3 أضعاف المساحة التي سيطرت عليها في الأشهر الاثني عشر السابقة، في أكبر تقدّم للجيش الروسي في أوكرانيا خلال عام واحد منذ السنة الأولى للحرب.
وحول هذه الرحلة، تقول مصادر مطلعة ، إن "العروض اللافتة التي تقدمها بعض شركات السياحة في بغداد والمحافظات تحت يافطة السياحة للتعرف على معالم الدول الأوربية إلى جانب روسيا وأوكرانيا وبأسعار مناسبة، وأحيانا تقدم سفرات بنظام الأقساط الميسرة، أسهمت في استقطاب الآلاف من الشباب السفر الى روسيا وأوكرانيا".
وتضيف، مبينة أنه "بمجرد إنتهاء مدة الرحلة يتم استدراجهم من قبل عصابات سماسرة التهريب واغوائهم بالعمل في الجيش الروسي كمقاتلين، مقابل أجور شهرية تقدر 3 آلاف دولار، وهكذا يتم اقحامهم في الجيش الروسي ويتم توزيعهم على الخطوط الأمامية لنقاط الاشتباك العسكري الروسي - الأوكراني".
وتبين أن "بعض المسافرين لقوا حتفهم بسبب الظروف الجوية القاسية وآخرين وجدوا أنفسهم مجبرين على الالتحاق بالجيش الروسي أو الأوكراني بصفة (مقاتل) متعاقد يتبع أوامر القوات النظامية في كلا البلدين"، مشيرة إلى أن "البعض الآخر يتم استدراجهم من خلال مكاتب خاصة تروج لوجود فرص عمل ضمن شركات الحماية الخاصة (البدي كارد) والرواتب لاتقل عن 2500 دولار، إلا أن سماسرة العقود الوهمية سرعان ما ينقضون عهودهم بذرائع مختلفة من بينها محدودية الفرص، الأمر الذي يدفع بضحايا تلك الوعود إلى القبول بعقود الخدمة القتالية في صفوف الجيش الروسي وبصفة رسمية ولمدة محددة تصل إلى خمس سنوات".
وقد أقر مسؤول الجالية العراقية في روسيا حيدر الشمري، بأن "هناك قرابة ألفي عراقي يعمل كمقاتل ضمن صفوف الجيش الروسي مقابل راتب شهري يقدر بـ3 آلاف دولار، اغلبهم يعمل وفق عقود رسمية مع الجيش الروسي".
وينص القانون الروسي على أنه يحق لأي مواطن أجنبي مقيم في روسيا ويجيد اللغة الروسية التعاقد مع الجيش الروسي وفق عقد رسمي براتب محدد يتراوح 2500 – 3000 آلاف دولار.
يشار إلى أن أغلب الذين التحقوا بالجيش الروسي هم من الوافدين إلى موسكو بهدف السياحة أو ممن اتخذوا من الأخيرة بوابة آمنة لتحقيق أحلامهم في أحد الدول الأوربية.
الجدير بالذكر أن العديد من المقاتلين العراقيين المشاركين في الحرب الروسية الأوكرانية لصالح موسكو، قد ناشدوا بإعادتهم إلى العراق، بعدما زجوا بأنفسهم في الحرب المستعرة منذ مطلع العام 2022، ولكن دون رد رسمي حول ذلك.
وحول عملية تجنيد العراقيين في الجيش الأوكراني، أشارت مصادر مطلعة آخرى، لوكالة شفق نيوز، إلى "أكثر من 3 آلاف متعاقد عراقي، التحقوا بصفة مقاتل الى جانب الجيش الأوكراني مقابل أجور شهرية تقدر 2000 – 2500 دولار، وهؤلاء يتم نقلهم إلى أوكرانيا من قبل سماسرة التهريب، حيث يتم الاتفاق الأولي على نقلهم إلى تركيا ومن ثم تهريبهم عن طريق البحر الى روسيا أو اليونان ومن ثم إلى روسيا أو دول الاتحاد الأوروبي، لكن ما يحصل أن أغلبهم يتركون على الحدود أو الغابات يواجهون مصيرا مجهولا".
وتوضح أن "بعضهم لقي حتفه بسبب الظروف المناخية حيث علق أكثر من ألف شخص عراقي في الغابات والمناطق المحرمة بين دول أوربا و بيلاروسيا دونما تدخل أو إجراء رسمي".
وتضيف أن "سماسرة التجنيد يستغلون ظروف المهاجرين أو المسافرين من خلال تقديم عروض لتجنيدهم كمقاتلين في روسيا أو اوكرانيا، مقابل أجور مغرية الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم للقبول علما أن اغلب المتعاقدين لايعلم ذويهم بهم".
وحول الموقف الحكومي، فإن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية علاوي حنظل النداوي ، متابعة لجنته هذا الملف، قائلا: "في حال تأكد لنا صحة المعلومات التي تتحدث عن انخراط مجاميع من الشباب للعمل (كمرتزفة) في الجيش الروسي أو الأوكراني فإننا سنناقش الأمر داخل اللجنة ونعمل مع الأجهزة الحكومية المعنية بالأمر على إيجاد حلول ومعالجات لذلك".
ويكمل: "الدستور العراقي شدد، بل ومنع أن يكون العراق مصدرا للاعتداء على دول الجوار، فكيف يمكن السماح العراقيين بالاعتداء أو بالعمل كمرتزفة سواء في الجيش الروسي أو الأوكراني أو أي دولة أخرى".
إلا أن المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكيز، يرى أن "المسافرين الذين يحصلون على سمة سفر سياحية أصولية لدول ما خارج العراق، فهو أمر طبيعي".
ويوضح، خلال حديث له ، أنه "إذا ما اتخذ السفر الأصولي وسيلة للالتحاق بعمل ما وتحديدا العمل كمرتزفة، فإن ذلك مخالف للقانون، بل وهو أمر ممنوع"، لافتا إلى أن "الوزارة لا تمتلك معلومات عن التحاق عراقيين بالجيش الروسي أو غيره".
وبعد مرور أسبوعين تقريبا على قمة ألاسكا واجتماعات واشنطن، يبدو أن شمعة الأمل بوقف الحرب الروسية الأوكرانية بدأت تنطفأ شيئا فشيئا، وأن نار الحرب عادت لتستعر مجددا، وستكون لها الكلمة الفصل حتى إشعار آخر.
يأتي ذلك، بالتزامن مع تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الخميس، باللجوء إلى الخيار العسكري ضد أوكرانيا، في حال فشلت المفاوضات في التوصل إلى اتفاق مع كييف، مؤكدا أن احتياطيات القوات الأوكرانية قد استُنزفت.
ويرى مراقبون أن تفشي البطالة بين الشباب العراقيين، لاسيما خريجي الجامعات والمعاهد ممن لم يحصلوا على فرصة عمل أحد أهم عوامل الهرب إلى خارج العراق مما يجعلهم صيدا سهلا لعصابات.