• بغداد
    +31...+34° C
  • الموصل https://www.booked.net/
    +23...+29° C
  • كربلاء https://www.booked.net/
    +32...+37° C

العقل بين الوعي والسياسة

العقل بين الوعي والسياسة

  • اليوم, 13:26
  • مقالات
  • 31 مشاهدة
د. وليد الحلي

"Today News": بغداد 

    بسم الله الرحمن الرحيم


اولا: المقدمة
يُعدّ الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) من أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، حيث امتدت إمامته من سنة 183 هـ حتى 203 هـ، في مرحلة تاريخية اتسمت بالتوتر السياسي والتحولات الفكرية في ظل حكم هارون العباسي، والأمين، والمأمون. ويتميّز موقفه من ولاية العهد مع المأمون بكونه محطة فارقة في التعامل مع السلطة من خلال العقل والمنهجية السياسية الحكيمة.

ولد الإمام علي بن الإمام موسى الكاظم، ولقبه الرضا في 11 ذو القعدة 148 هـ في المدينة المنورة، وامتدت إمامته عشرين عاماً من سنة 183 إلى 203 هـ. تقسم حياته إلى ثلاث مراحل:
1.ما قبل الإمامة (148 – 183 هـ) أي 35 عاماً، ومدة إمامته 20 عاما = عمره: 55 عاما.
2.مرحلة الإمامة في المدينة (183 – 200 هـ) أي 17 عاماً.
3.مرحلة الإمامة في خراسان (200 – 203 هـ) 3 أعوام  وهي أهم مراحله السياسية.

ثانيا: العقل في فكر الإمام الرضا (ع)
أكد الإمام الرضا (ع) أهمية العقل في عدة مواضع:
1.«صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله».
2.«ما استودع الله عبداً عقلاً إلا استنقذه به يوماً»
3.«التودد إلى الناس نصف العقل».
4.«أفضل العقل معرفة الإنسان نفسه».

تلخص هذه العبارات رؤية الإمام الشاملة للعقل، بوصفه أساس الحكمة، والوعي الذاتي، والتفاعل الاجتماعي المؤثر.

ثالثا: ولاية العهد والبعد السياسي

وقع صراع الخليفة المأمون مع أخيه الأمين، مما أجبره على مواجهة معارضة داخلية قوية. ولتطويق هذا الانقسام، استدعى الإمام الرضا (ع) وعيّنه ولياً للعهد، لكنه لم يقبل هذا التعيين في البداية، ثم وضع شروطه الصارمة، أهمها رفض التدخل في شؤون الحكم، مما تحدّى المشروع السياسي للسلطة.

3.1 أهداف الحاكم العباسي المأمون في  تعيين الإمام الرضا (ع) ولي العهد :
1.تهدئة الثورة بعد مقتل أخيه الأمين.
2.كسب شرعية دينية وتقوية سلطته عبر الإمام.
3.حصر الإمامة في إطار السلطة وتجميد النشاط الديني والتربوي والفكري للإمام.
4.تشويه الصورة المثالية لأهل البيت (ع).
5.إيقاف الثورات المضادة من قبل أتباع أهل البيت ضد حكم المأمون.

3.2 أهداف الإمام الرضا (ع) التي حققها منذ تولية ولاية العهد التي فرضت عليه :
1.فرض شروط صارمة، أهمها عدم التدخل في الشؤون التنفيذية والتعيينات خلال ولايته.
2.حماية الحقوق المسلوبة لأهل البيت.
3.استثمار الحرية المتاحة لإيصال دعوته وفق القرآن الكريم وأحاديث رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) إلى الأمة الموالية وغير الموالية.
4.عقد الحوارات مع العلماء وطلبة العلوم الدينية والناس  لبيان الحقائق وتصحيح الأحاديث غير الصحيحة المنتشرة.
5.تعميق ارتباط الأمة بخط أهل البيت والنهوض بحركة الوعي الإسلامي.
6.حث أنصاره على العمل بثقة وشجاعة وعدم الخوف من السلطة، والدفاع عن الدعوة الإسلامية  وأهل البيت.
7.تشجيع الشعراء والخطباء على بيان الحقيقة ودعم رسالة أهل البيت.

رابعا: النشاط العلمي والحوار الفكري

في خراسان، رغم القيود، أتيح للإمام الرضا (ع) عقد مجالس حوارية حضرها علماء من ديانات مختلفة. وأظهر تفوقه في الحوار الواعي  بالحجة والمنطق. كما اجتمع الناس حوله خلال رحلته من المدينة إلى نيشابور ثم خراسان في إيران، مما عزّز مكانته الروحية والعلمية، وأتاح له نشر علوم أهل البيت والتفاعل مع جميع الفئات.

خامسا: الموقف السياسي الحكيم
يمكن مقارنة موقف الإمام الرضا (ع) بموقف الإمام الحسن (ع) في صلح الحسن – معاوية: خطوة استراتيجية لحماية الدعوة ورسالتها. ومن أبرز المواقف: صلاة العيد في مرو، حيث ظهر الإمام الرضا (ع) بوقار، فتجمع الناس بشكل كبير جدا حوله للذهاب الى صلاة العيد، وعندما عرف المأمون الدعم الكبير للإمام خاف على سلطته، فأمر الامام علي الرضا بالرجوع قبل أن يبلغ المصلى.

سادسا: استشهاده وإرثه العلمي

بعد فشل المأمون في احتواء الإمام، لجأ إلى دسّ السم له في العنب، فاستُشهد الإمام الرضا (ع) في آخر ليلتين من صفر عام  203 هـ، عن عمر يقارب 55 عاماً، ودفن في مشهد خراسان، سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .

ترك الإمام إرثاً غنياً من الفقه والعقيدة والمناظرات، ووصى المسلمون قائلاً(ع):

«أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا بتعلم علومنا وتعليمها للناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا».

واصل الإمام (ع) الجهاد العلمي ونشر علوم أهل البيت، وتجاهر بالإمامة خاصة في فترة الصراع بين الأمين والمأمون، حيث كثر عدد أنصاره وبرز رفضهم وتمردهم على النظام العباسي.

سابعا: العقيدة والعقل في مواجهة السلطة

مثّل الإمام الرضا (ع) نموذج الإمام العالم والحاكم الحكيم الذي استثمر العقيدة والعقل في مواجهة الغطرسة السلطوية. فقد جعل من ولاية العهد منصة للتحرير الفكري والتنوير الديني، وللنهوض بالأمة التي تعرضت لسلسلة من العقائد والأفكار المشوشة، بما يعكس رؤية استراتيجية تجمع بين العلم والدين والسياسة.

      وليد الحلي
اواخر صفر 1447 هجري
23 آب 2025 ميلادي

أخر الأخبار